وصل الشباب الأربعة في الموعد المحدد إلى المكان المعين، حتى تبين لهم بأن موعد المقابلة ومكانها هو مجرد تدبير احترازي، إذ قابلهم هناك مرة أخرى (السيد الطاهر) ورافقهم إلى مقهى يقع في (بيرجبة) من مرتفعات (حي القصبة). وكان هذا المكان هو مركز الالتقاء بكافة المجاهدين القادمين من القبائل للإسهام في العمل المشترك الذي كان يتقرر في اجتماعات الجزائر.
قد يكون من المناسب هنا التوقف قليلا عند ظاهرة - تدابير الحيطه المشددة - التي رافقت اتساع أفق العمل وتطوره. إذ أن هذه الظاهرة، لم تكن في الواقع إلا نتيجة من نتائج انقسام الحزب وتمزقه، وقد حرص القادة على الإفادة من هذا الانقسام، واستخدامه رداء خارجيا، وستارا لحماية الحركة السرية. ولفهم هذا الانقسام وانعكاساته لا بد مرة أخرى من العودة إلى المراحل الأولى لتنظيم (اللجة الثورية للوحدة والعمل) التي ضمت الأجنحة المتطرفة والحيادية كرد على صراع المركزيين والمصاليين في (حزب انتصار الحرية والديمرقراطية). وقد ضمت أجنحة (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) معظم الثوار السريين - الماكي - والذين كانوا يميلون إلى استخدام وسائط الصراع المسلح، وكانوا في الوقت ذاته يمثلون كل أقاليم الجزائر - من قسنطينة حتى منطقة القبائل، ومن أقصى الغرب إلى وهران وأقصى الشرق -. وقد جاء الانقسام في قلب الحزب ليترك شعورا لدى المتطرفين والحياديين بأنهم في النهاية هم (ضحايا هذا الانقسام) وكان انتقالهم لممارسة العمل الثوري في سنة ١٩٤٧، نتيجة قناعتهم بأنهم وهم يحملون السلاح، سيعيشون معارك حرب التحرير حتى