الجيش الإفرنسي عناية خاصة بنزلاء هذا القسم من المراكز، فأمن للنزلاء المساكن المقبولة، وحدا أدنى من متطلبات الحياة، ليتظاهر بأنه لا يرمي من إقامة هذه المراكز إلى إبادة الشعب الجزائري. أما القسم الآخر، فيشمل المراكز البعيدة، وهي تشكل الأكثرية المطلقة لهذه المراكز، وتمثل الحياة فيها أشد أنواع البؤس، وأقسى صنوف الشقاء، مما يصعب وصفه أو الإحاطة به. ومثال ذلك، أن السلطات الاستعمارية كانت تحشر في المركز خمس عشرة أو ست عشرة عائلة كبيرة في غرفة واحدة؛ هي عبارة عن كوخ؛ لا يضمن لساكنيه ونزلائه أي وقاية ضد البرد والمطر. وانتهى الأمر بمعظم هؤلاء الى الإصابة بمختلف الأمراضا المستعصية، علاوة على ما كان يعانيه المعتقلون من الجوع. والتعذيب، وانتهاك الأعراض، وكل أنواع الضغوط المادية والمعنوية، التي سلطها عليهم جند الجيش الافرنسي. ولم تتوقف السلطات الاستعمارية عند هذا الحد، بل تجاوزته الى تعميم عمليات (تعقيم) الشباب من ذكور وإناث، لمنع الشعب الجزائري من التكاثر والتناسل، كوسيلة في جملة وسائل إبادة الشعب الجزائري.
لم تضعف مقاومة الشعب الجزائري بالرغم من كل هذا العذاب المسلط على رقابهم، فأخذ المواطنون في حض الجيش على المزيد من المقاومة، وتحريضه على الصبر والثبات. وكانت النسوة في مراكز التجمع يرفضن التحدث الى نساء (القوم). ولا يقبلن زيارتهن أو الذهاب معهن لجلب الماء. كما كان الأطفال ينشدون الأناشيد الوطنية، ويغنون الأغاني الحماسية، على الرغم من الأمراض التي كانت تنخر في أجسامهم الغضة الطرية. وكان