اللحظة؟ ... هل كانوا يفكرون في وطنهم المكبل بالقيود منذ مائة وخمس وعشرين سنة؟ أم كانوا يفكرون فيما لحق بهم من ضروب الذل والهوان وهم في وطنهم؟ أم كانوا يفكرون في آبائهم ونسائهم وأطفالهم الذين خلفوهم وراءهم في المدن والقرى؟
لقد اعترف الكثيرون من أولئك الأبطال الذين خاضوا المعركة، فيما بعد، بأنهم ما فكروا إلا في إخوانهم المجاهدين الذين تصدوا في القرن الماضي للهجمات الافرنسية، خصوصا وأن أحد المندوبين كان قد حدثهم في الليلة السابقة عن أولئك (المسبلين) الأماجد الذين كبلوا أنفسهم في القيود تأكيدا على تصميمهم على الثبات أمام الجيوش الإفرنسية، ومنعها من احتلال قريتهم أو الموت دونها. هذا بينما كان آخرون يفكرون في أصدقائهم ورفاقهم الذين سبقوهم الى الشهادة في المعارك السابقة.
على كل حال، وبينما المجاهدون في صمتهم وترقبهم، تناهى إلى سمعهم صوت أيقظ انتباههم، ووجه أبصارهم نحو العدو وقد بدت طلائعه. لقد سمعوا آذانا وتكبيرا صادرا عن أعلى الربوة، وأخذوا في انتظار سماع صوت المؤذن وهو يرسل تكبيراته من التل المقابل ليطلقوا نيرانهم. وما هي الا لحظة حتى ترددت صيحة (الله أكبر). ودوت في الجبال طلقات الرماة الأحرار. وانهمر الرصاص على الأعداء، فتوقفت سياراتهم وشبت فيها النيران من كل جانب، وانتشرت الفوضى، وهيمن الاضطراب على قوات العدو، وما هي إلا ربع ساعة حتى تكدست الجثث، ولم ينج من الموت إلا بعض الجرحى، فخرج إذ ذاك المجاهدون من مكامنهم، واستولوا على كميات مذهلة من الأسلحة والذخائر.