حل بهم بعد عناء المسير الشاق، فالتفت نحو الصبي الذي كان يرافقه، وقال له: أرأيت يا بني! ما رأيك؟ قد تصبح جنديا، تدافع عن وطنك مع أبطال جيش التحرير الوطني؟ لا بأس. أنه عندما يكبر سيصبح جنديا يدافع عن حرية الجزائر. وهنا تدخل قائد المجاهدين وقال للرجل:(والآن يا أخى، يجب أن تذهب - مع الصبي - لأن المكان سيصبح هنا خطيرا. ولا ندري ما ستتمخض عنه الأحداث) وانصرف الرجل وابنه بعد وداع حار ومؤثر حمل كل صفاء المجاهدين وإخلاص الثوار الأحرار.
لم تمض فترة طويلة على ذلك حتى عادت الدورية الأولى لتعلم القائد بأنها شاهدت أضواء خافتة لرتل طويل من المركبات يسير على طريق (يوكس الحمامات) وهو يتجه إلى حيث موقع المجاهدين. ولم يكن من الصعب عندها رؤية أضواء المركبات على البعد وهي تسير في وسط الضباب. وأسرع القائد، فأصدر أمره إلى المجاهدين باحتلال مواقعهم على القمم الأمامية المشرفة على الطريق، ولم يكن عدد المجاهدين يزيد على سبعين رجلا. احتل المجاهدون مواقعهم على الشكل التالي: رشاش خفيف (٢٤) في الجناح الأيمن ومعه رشاشتان قصيرتان وخمس بنادق (موزير). وفي الجناح الأيسر احتل مجاهدو الفصيلة الثالثة مواقعهم بمثل هذا الترتيب. وتمركز الرشاش الثقيل (هوتشكيس) في الوسط. استمرت القوات الافرنسية في تقدمها تحت مراقبة المجاهدين الذين يتابعون تحرك أعدادهم بهدوء وصمت، فيما كان الضباط يتنقلون بين المجاهدين يزودوهم بأوامرهم وتوجيهاتهم وأهمها: عدم التحرك من المواقع إلا إذا صدرت أوامر مضادة، وعدم إطلاق النار إلا عند صدور الأمر بذلك.