بدأنا الرحلة من على الحدود، وانضممت إلى إحدى كتائب جيش التحرير، وارتديت ثيابهم العسكرية. ولم يمر الأمر بسهولة، ذلك أن ثلاثة من قادة كتائب جيش التحرير، رفضوا أن يسمحوا لأحد بالدخول معهم إلى قلب الجزائر، حرصا منهم على حياته - وتدخل القائد (سي عماره)، وأخيرا! وافق قائد إحدى الكتائب أن يصحبني معه، غير أنه حذرني بقوله: إن طريقنا خطر جدا، وسنمر بأخطر منطقة في الجزائر كلها إنها قد تكلفك حياتك وأجبته:(حياتي ليست أفضل من حياتك!).
بدأنا سيرنا في الساعة الخامسة مساء، حيث بدأت ظلمة الليل، وصعدنا جبالا، وهبطنا أودية، لم يحاول أحد خلال ذلك كله أن ينطق ولو بكلمة واحدة، أو يحدث صوتا، حتى انقضى معظم الليل، ونال منا التعب مبلغا لا يوصف حتى شعرنا بأننا فقدنا أقدامنا، وأن عظامنا تكاد تخرج عن مواضعها. وهنا صدر الأمر إلينا بالتوقف في غابة كثيفة، تأتي بعدها منطقة مكشوفة يتطلب السير فيها وقتا طويلا ولذا كان لا بد من إرجاء السير حتى أول الليلة التالية. كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية والنصف صباحا. وانتشر المجاهدون يفترشون الثرى ويلتحفون السماء، بالرغم من قسوة البرد وشدته. ولما كنا قد خضنا خلال مسيرنا عشرات السواقي والقنوات، وابتلت ثيابنا حتى نصف أجسامنا، فقد أخدت هذه الثياب في التجلد. وبدأت أرتجف من البرد، وخلعت حذائي لأفرغ ما به من الماء وأجففه، وباغتني أحد المجاهدين بقوله:(ماذا تصنع يا سيد؟ هل سيكون لديك متسع من الوقت للبس حذائك إذا فاجأنا العدو بالهجوم؟ لا تخلعه مهما كانت الأسباب!) وحذرني من القيام بأية حركة لأن معسكرات الإفرنسيين