تحيط بنا. قال هذا، وأسند ظهره إلى جذع شجرة، واحتضن بندقيته، وراح في إغفاءة عميقة. أما أنا، فقد جفاني النوم من شدة التوتر والبرد. وكان حولي مجاهدو جيش التحرير، وقد نام معظمهم، وحولهم الحراسة متنبهة يقظة. وعندما طلع الصباح، أخذ المجاهدون يستيقظون تباعا. وكان أول ما يفعله كل واحد منهم، هو أن يتفقد سلاحه، وينظفه، ثم يخفيه بين الأشجار. وتلفت حولي، فلم أجد إلا غابة كثيفة، وقد انتشر فيها مجاهدو جيش التحرير. ومضى وقت طويل، حضر بعده عدد من الجزائريين المقيمين في القرية القريبة منا، وهم يحملون (الكسرة) واللحوم والشاي الساخن.
كيف عرفوا بوجودنا؟ وكيف أمكن لهم التسلل إلى مركزنا وهم يحملون الطعام لإخوانهم المجاهدين؟ إن هذا يحدث في كل مكان من أرض الجزائر. أبطال جيش التحرير يجاهدون، والشعب الأعزل يضطلع بأعباء تأمين الإمداد والتموين، وإعداد المسكن والعلاج، وتحذير المجاهدين وإنذارهم من كل خطر يتهددهم، وتقديم المعلومات لهم عن قوات العدو، وعن الوحدات الصديقية إن وجدت.
قضينا النهار كله في الغابة، وقد تخللته فترات من التوجيه والتدريب وإعطاء بعض المعلومات، ونام البعض استعدادا لاستئناف الرحلة الشاقة في الليل. وقبل الغروب بقليل، حضرت بعض نساء القرية تتقدمهن سيدة عجوز قتل ابنها منذ سنتين في إحدى معارك جيش التحرير، وهن يحملن الطعام (من اللحم) وقبل أن يفرغ المجاهدون من طعامهم، تردد صوت الضابط المسؤول عن المجموعة، وهو يقول: