كنت أعتقد أن هذا المعسكر قريب منا، ولكننا سرنا وسط الجبال أكثر من ساعتين. وتوقفنا عندما تقدم منا أحد جنود الاستطلاع - الكشافين - ليعلمنا بأنه لم يبق بيننا وبين المعسكر أكثر من مائتي متر. وصعدنا فوق ربوة مرتفعة، ونظر القائد (سي بن علالة) إلى الأفق، وأشار بيده إلى حيث ينبعث نور ضعيف، وقال:(هذا هو معسكر الهميس، إن أبطال جيش التحرير يعرفون كل شبر من أرض بلادهم، ويميزونه سواء بالليل أو النهار). واقتربنا بحذر من كل ناحية. وتمركزت مدافع الهاون في مرابض تم انتقاؤها بعناية ومهارة. ونصب المجاهدون مدافعهم الرشاشة، وانتشر الباقون خلف الصخور والأشجار. وران صمت رهيب.
لقد أحاط المجاهدون بالمعسكر الفرنسي إحاطة محكمة وفجأة، أضاءت السماء بطلقة إشارة حمراء اللون. وأعقبتها مباشرة انفجارات قنابل مدافع الهاون وأزيز آلاف الطلقات، وغمرت النيران معسكر الأعداء. ويظهر أن المباغتة كانت كاملة، فلم يصدر عن العدو أي رد فعل منظم، ولم يرتفع في المعسكر إلا صوت العويل والصراخ والصخب - واشتعلت النار في أركان المعسكر، ومضت فترة سبع دقائق، ولم يرد الفرنيسون بشيء، كما هي عادتهم التي بات يعرفها المجاهدون جيدا. كما باتوا يعرفون أن الفرنسيين المذعورين في الليل، ينتقمون لرعبهم وفزعهم من المدنيين العزل في النهار.