منه، بوجه أصفر، وبصدر تنزف منه الدماء. ورأى (سليمان) بأنه أسرع إلى إخيه يسأله عما به بإلحاح. غير أن هذا لم ينظر إليه، وبقي صامتا كعادته، وهو ينظر إلى الأفق البعيد. واحتفظ بصمته متجاهلا إلحاح أخيه وتوسلاته. وبغتة حرك شفتيه لينطق بكلمة، غير أنه لم يقلها، وترك جسده يتهاوى على قدمي أخيه (سليمان). وعند هذه النهاية، استيقظ سليمان من نومه، وقفز من مضجعه) نظر (سليمان) فيما حوله، فرأى أن مصباح البترول (الفانوس) لا يزال يرسل أشعته ورأى على ضوء المصباح أن أباه هو الوحيد الذي لا زال يقاوم النعاس، فقال لابنه بصوته الجبلي الخشن وهو يراه ينهض مذعورا:(هل انتابك هاجس؟ كابوس؟).
تردد (سليمان) قليلا قبل أن يجيب، ثم قال بصوت متعب - كلا -! غير أن صوته اكتسب بغتة لهجة التصميم والحزم. وهو يقول: سأخرج. ثم تابع حديثه، من غير أن يتوقف لسماع كلمات والده، فقال:
(من المحال الاستمرار في مثل هذه الحياة: احتقار في النهار، وخجل في الليل، وتوقع الموت في كل دقيقة، والوقوف موقف العجز ونحن نرى جند الافرنسيين ينتزعون منا زوجاتنا وأخواتنا. ما هذا العيش كأنصاف الرجال؟ وما هذه الحياة التي سيزهقها الافرنسيون إن عاجلا أو آجلا. يجب أن يعيش الانسان حياة السجن حتى يعرف قدر ما يعانيه شعبنا من صنوف الاذلال والاهانات والتحقير والحرمان والضرب والتعذيب والتشويه. هناك، عندما يطلب المرء أن يشرب، يضعون رأسه في طبق يطفح بالبولة ... تعذيب .. وتشويه وحشي.