وقد بلغ منه التأثر غايته. وحرك فكيه كما لو كان يرغب في الحديث، غير أن الكلمات خانته، وأخيرا تمكن من النطق فقال لابنه:(أرى بأن أفضل ما يمكن عمله الآن هو أن تحاول العودة للنوم. إن ضوء الفجر سيبزغ عما قريب، وعليك أن تستريح).
تمدد (سليمان) على الأرض، بعد أن التحف الغطاء. وعاوده الحلم المزعج من جديد. غير أنه رأى نفسه في هذه المرة وهو في السجن، وفي موقف لم يتمكن من فهمه. لقد رأى نفسه وقد خان
إخوانه المعتقلين المجاهدين، وارتبط بالافرنسيين الذين قذفوا به في زنزانة مظلمة، بالرغم من خيانته لقومه. وانصرف عنه إخوانه المعتقلون وهم يشيرون إليه بايماءات الاحتقار، ويتوعدونه بالانتقام. أو ينظرون إليه بعيون غاضبة ملؤها التهديد. ووقع (سليمان) تحت هاجس الرعب، فحاول أن يشرح لهم الذرائع التي دفعته لاتخاذ موقفه. ولكن ما من أحد حاول الاستماع إليه، أو الاهتمام بذرائعه. فاقترب عندها، في ذلة، وعلى مهل من الشاب المجنون - والذي قص حكايته قبل قليل على والده - ووضع يده على كتفه في محاولة للتقرب منه والتحبب إليه. يا لحسن الحظ، لقد وجد أخيرا من يسمعه أو ربما يفهمه. وشرع في الاستعداد للتحدث إليه. غير أنه استيقظ من حلمه - في هذه اللحظة - على صياح ديك من المنزل المجاور. لقد طلع النهار، وتسللت إلى الكوخ بعض أشعة الشمس التي بددت ظلمته. كان أفراد العائلة قد استيقظوا جميعا. وكانوا يتحركون بصمت في محاولة منهم لعدم إيقاظ (سليمان) وتركه نائما حتى يستريح من عناء ما بذله من الجهد في اليوم السابق...غير أن صياح الديك أفسد كل شيء، وشرب (سليمان) قدحا من القهوة، وخرج إلى القرية، وكانت الأمطار