التي استمرت في تدفقها طوال الليل، قد توقفت الآن. وجاءت أشعة الشمس الضعيفة لتغمر ذرى الجبال.
لم يصادف (سليمان) خلال جولته في القرية إلا ثلاثة من الشبان، وقلة من الكهول يظهر أنهم هربوا بدورهم من الحياة، فلجأوا إلى فناء الجامع (صحن المسجد) يعتصمون به. أما بقية الشبان، فكانوا إما قد أصبحوا مجاهدين في صفوف الثوار، أو قتلوا برصاص الافرنسيين: المنازل مدمرة مهدمة، ومجموعة من الأطفال البؤساء يتعثرون بين الأنقاض، ليؤكدوا أنه لا زال للحياة وجود على أرض هذه القرية. وعاد لسليمان شعوره بالعجز، هذا العجز الذي لازمه مرة وهو في السجن، ويلازمه الآن مرة أخرى وهو إلى جوار والديه وأخته. ومضى صامتا على طريق العودة إلى منزله. ومرت ساعات النهار. ونام (سليمان) بعد أن تناول طعام العشاء المتواضع.
...
استيقظ (سليمان) من نومه في منتصف الليل، وهو يشعر بإرهماق مزعج. لقد كانت قطرات العرق البارد تتصبب غزيرة من جبهته، وارتجف كما لو كان مصابا بالحمى غير أنه لم يلبث طويلا، حتى عاد واستغرق في نوم عميق. وعندما أفاق، كانت الظلمة المحيطة بالمنزل قد تبددت. فرأى والده جالسا في مواجهته، وهو يتأمله بعينيه الكليلتين. فشعر (سليمان) بالضيق لقد كان يفضل مغادرة المنزل، من غير أن يراه أحد. وها هو والده يقترب منه، ويمسك بيديه وهو يقول له:
(إذن! فقد اتخذت قرارك! وهل ستخرج اليوم؟).
وسيطرت على (سليمان) رغبة مباغتة للبكاء، فانحنى على