مسعود) أو في الإقليم كله. وكان المجاهد (بلقاسم) مصابا بتمزق في أضلاعه نجم عن انفجار قنبلة بعض الطائرات، مما كان يتسبب له بآلام مفزعة. وكان لا بد من إيقاف النزف بأية طريقة، فتم تقليم سيقان من نبات طبي يعرف باسم (أم الزير) يعرفه الفلاحون الجبليون جيدا، ويتواصون باستخدامه منذ القدم - ويتناقلون معرفته جيلا عن جيل في هذا الإقليم. وما أن تم تجريف الجروح بتلك العيدان حتى تم وضع أوراق النبات ذاته بإحكام على الجراح. ولم يبق إلا تضميد تلك الجراح بمساعدة قطع من النسيج من تلك المستخدمة في تغطية الأسرة (شرشف).
وصل بعض المجاهدين من ميدان المعركة يحملون معهم الأخبار السيئة عن استشهاد المجاهد الرقيب (سالم) في الساعة (١٦٠٠) إثر إصابته بقنبلة طائرة (ب - ٢٦) بينما كان يقف على مرتفع يحمل اسم (الخطيبة من الصابون - إيسلي ناصابون) وبكى إخوان الشهيد موته، فما عرفوه إلا بطلا شجاعا، ووطنيا متحمسا، الأمر الذي أكسبه شهرة واسعة في وسط قوات جيش التحرير الوطني. زالت مخاوف المجاهدين وأنصارهم - مسبليهم، إذ لم تحاول القوات الاستعمارية نقل المعارك من (تيزي غمدان) والقيام بتمشيط الإقليم، أو محاولة تطويق المجاهدين. وانتهت المعارك في الساعة (١٩٠٠) - وعادت القوات الاستعمارية إلى ثكناتها مع غروب الشمس. وتجمعت كتائب المجاهدين في (سيدي مسعود). ولم يكن المجاهدون قد طعموا شيئا طوال النهار، ولم يكن هناك في (سيدي مسعود) ما يسد رمقهم، وكل ما كان هناك هو بعض أباريق القهوة التي تحتفظ بالحرارة (ترمس) وقليلا من زجاجات حليب الماعز التي احتجزت للجرحى.