يعرفون الطبيعة الطبوغرافية للمشتى، فهل كان القرار الذي اتخذه قائدهم استجابة لفكرة لم تدرس بصورة جيدة؟ وهكذا كان تفكير كل واحد موجه إلى ما فيه المصلحة العامة. ولم يكن هناك بينهم من فكر في شخصه، أو في أمر يهمه وحده.
كان كل جندي يشعر بنوع من القلق قبل خوض المعركة؛ فهل كان المجاهدون يشعرون بهذا القلق وهم جند الثورة؟ لقد خلق الإنسان في الحياة ليعيشها - يقينا - ولكن في ظروف مغايرة لتلك التي تتطلبها التضحية من كل فرد لرفع راية الجهاد المقدس والذي يخوضه شعب بأكمله. لقد كان دور المجاهد هو الريادة والطليعة أمام حركة شاملة. وقد فرض عليه هذا الدور التاريخي احتمال كافة النتائج، ومجابهة أخطرها، بهدوء مطلق ونكران للذات. وكما يحمل كل واحد في ذاته - أو في الأنا - حوافزه للدفاع عن شخصه وعن ذويه. فقد كان لا بد له من ضمان التجاوزات الضرورية لحدود (الأنا) عندما يتطلب الموقف بعث الأمة التي ينتمي إليها.
طلع سحر يوم الجمعة أخيرا. وغمر الضباب الكثيف (بوهندس) وحمل السحر معه نسمات رطبة حلوة أنعشت نفوس المجاهدين. لقد مضت ليلة الاستنفار، وحدث نوع من الراحة والاسترخاء. ثم أقبل النهار مضيئا، مشرقا، يحمل معه أملا متجددا هو: إظهار قوة العقيدة والفضائل التي يتحلى بها المجاهدون.
ظهرت طائرات الاستطلاع الأولى في سماء (بوهندس). وأخذت في توجيه الرمايات التمهيدية للمدفعية. ومضت ساعة كانت خلالها مدفعية العدو الرابضة في المراكز المحيطة، تصب ثقل قنابلها لسحق (الضهرة الشهيدة). واشتركت مدافع الدبابات في هذا القصف المركز. وكانت طائرات الاستطلاع تتابع بأجهزتها رصد