الساعة إلى الحادية عشرة ظهرا (١١٠٠). ترى ماذا تخبيء بقية النهار لهؤلاء المدافعين عن كل شبر من أرض وطنهم، ويضحون بحياتهم فوق كل موطىء قدم، وهم على ما هم عليه من البؤس، وماذا يخبىء لهم القدر؟ لم يكن الوقت في هذه الفترة يعمل لمصلحة الجزائر، ولكن مقابل ذلك، فإن المحصلة العامة للجهود المبذولة لم تكن صلبية. ألم تثمر هذه المحصلة العامة عن ولادة الجزائر الحديثة من خلال ذلك التلاحم بين الشعب وجيشه؟ ... كانت النساء الطاعنات في السن - العجائز - قد غادرن الملاجىء في هذه الفترة، فالمجاهدون يحتاجون إلى الطعام - بالتأكيد - إذا ما استمرت المعركة. فهل سيتركن ثمار (بوهاندس) حتى يأتي المغتصبون فيقطفونها ويأكلونها؟ ... لقد احتدمت المعركة، وانطلقت النسوة (العجائز) للعمل، يبحثن عن الشهداء، ويوزعن الخوخ والدراق اليابس الذي تشتهر به أشجار (بوهندس)، ويتعرضن خلال ذلك لخطر الموت.
ولكن ماذا يمثل الموت لهن عندما يموت الأبناء.
مزقت طائرات (ت - ٦) عنان السماء وهي تطلق صواريخها بالعشرات. لكن قدم جيش التحرير الوطني بقيت ثابتة، وأمكن لها خرق بعض الثغرات على المجنبة - الشرقية لطوق العدو. وأمكن الحصول على بعض الغنائم من أسلحة الإفرنسيين. وأعطت (بوهندس) المثل في الشجاعة وحمل السلاح. وكانت كل شجرة، وكل صخرة، تجابه العدو برشقات من الرصاص، فتمزق صفوفه وتكبده الخسائر الفادحة. ولم يكن لقنابل النابالم، أو الصواريخ، أي تأثير في المغاوير المجاهدين الذين يدعمهم شعب مسلح. وتوقف جند العدو عن الهجوم. واكتفوا بممارسة قتال المواقع