نذير شؤم: لم تطلق في الليل ولو طلقة واحدة، ولم تظهر حركة كبيرة أو صغيرة تعكر صفو الصمت المطبق. ولكن آلافا من الشعلات الصغرى كانت تندلع هنا وهناك في معسكرات العدو البعيدة عن مواقع المجاهدين بمسافة كيلومترات عديدة، وكانت لهذه المشاعل دلالاتها، إنها تشير بالتأكيد إلى أن الفجر سيكون موعد الهجوم، وليس الفجر ببعيد.
وصل إلى المجاهدين، وهم في مواقعهم، هدير يصم الآذان، وظلمة الفجر لا زالت قاتمة، فهل قامت القيامة ووصل العالم إلى نهايته؟ لقد ظهرت في السماء مئات الطائرات - من قاذفة ومطاردة - قادمة من جنوب - غرب الأوراس، فحجبت الأفق، ولم تمض أكثر من ثوان قليلة حتى حجبت سحب الطائرات السماء، ومنعت بواكير ضوء النهار من الوصول إلى الأرض لقد أظلمت الدنيا من حول المجاهدين الذين شاهدوا مئات وآلاف الأطنان من القنابل وهي تتساقط على رؤوسهم، واستمر هذا القصف الوحشي حتى منتصف النهار تقريبا. ومع الساعة الحادية عشرة (١١٠٠). بدأت القوات الاستعمارية زحفها وهي واثقة من النصر. لقد كانت هذه القوات تتقدم على شكل موجات متتالية، غير أنها موجات لن تلبث حتى تتكسر على صخرة قوات المجاهدين الصلبة الصامدة.
تكبدت قوات العدو خسائر فادحة جدا في هجومها الأول - عشرات القتلى - ولكن ما قيمة هذا العدد بالنسبة لتلك الموجات التي لا زالت تتابع تقدمها بالرغم مما ينزل بها من الخسائر. إنها موجات من الجنود الذين يتقدمون للإنتحار، إنهم جبناء حشوهم بالعقاقير حتى باتوا كالحمام الذي يندفع نحو بارودة الصياد - هذا إذا جاز تشبيههم بطيور الحمام الوديعة -. واستمر الصراع نوبا بين القوات