البرية والقوات الجوية، فكان كل تراجع للقوات الأرضية يعقبه قصف جوي كثيف، يتكبد المجاهدون فيه خسائر فادحة. وعلى هذا النحو انقضى النصف الثاني من شهر آذار - مارس -.
وأقبل شهر نيسان - إبريل - ١٩٥٩. والطرفان المتصارعان يقفان عند النقطة التي بدأ منها الصراع. ومئات القتلى من الأعداء يقابلهم مئات الشهداء من المجاهدين. ولكن شيئا واضحا وأكيدا بات يبرز للوجود، وهو أنه ليس من السهل على الاستعماريين الاستيلاء على الأوراس، لا سيما وأن سيل الإمداد بالمجاهدين والذخائر والإسعافات الطبية، استمر في التدفق على مجاهدي الأوراس، من كل مكان.
أصبح موقف المجاهدين حرجا للغاية في شهر أيار - مايو - ١٩٥٩، فقد ارتفع عدد الشهداء في صفوفهم إلى أكثر من خمسمائة شهيد واستمر المجاهدون في القتال من خنادقهم ومواقعهم الحصينة وهم يرددون:(آه! لو لم يكن هناك طيران. وإننا نعتقد أننا مدينون كثيرا لمواقعنا الاستراتيجية، إذ لولاها لما بقي واحد منا على قيد الحياة). وقد أصبحت الأرض من حول المجاهدين مغطاة بالمحطومات، حتى لم يعد يظهر منها إلا حديد الطائرات التي تم إسقاطها، والآليات التي تم تدميرها. هذا بالإضافة إلى الجثث التي لم يتمكن العدو من إخلائها فباتت تغطي سطح الأرض منذ أسابيع عديدة. وأخذت هذه الجثث النتنة في إفساد رائحة الجو الذي دنسته من قبل طائرات العدو، وما تحمله من أسلحة الإبادة.
مضى شهران على هذه المعارك الطاحنة، وفي نهاية شهر أيار - مايو - قرر العقيد الافرنسي (شارل) وضع حد حاسم لهذا القتال المتواصل. فقذف بكل قواته ضد قوات جيش التحرير الوطني في