الأوراس كلها. وبات من المحال على المجاهدين البقاء في خنادقهم، إذ ظهر لهم أنه من الأفضل إيقاف هجمات العدو بهجمات مضادة، وبصورة جبهية في العراء. فكان يحدث في بعض الأحيان قتال الالتحام - جسما لجسم - بطرائق مثيرة ورهيبة. واستخدم الفدائيون المجاهدون أساليب تعبوية - تكتيكية - مبتكرة، إذ كانوا يبتعدون بزمر صغيرة عن كتلة القوات الرئيسية، ويسمحون لقوات العدو بتطويقهم وهي تعتقد أنها ستحصل، أو بإمكانها الحصول، على عدد من الأسرى. وعندها يقع جند العدو في الكمين، وتنطلق رشات الرصاص من كل الأسلحة الخفيفة، وعلى مسافات قريبة جدا فكان قتال الالتحام جسما لجسم هو وسيلة المجاهدين الوحيدة، لإضعاف قدرة العدو العددية، واستنزاف موارده البشرية: لقد كان الهدف بالاستمرار هو الإفادة من كل موقف لقتل أكبر عدد من قوات العدوان الاستعمارية.
كانت الأيام الأخيرة من أقسى الأيام وأصعبها. وكثيرا ما تساءل الجميع: لمن يكون النصر؟ وهل سيكون للعقيد (شارل) ورجاله المجرمين السفاكين للدماء؟ أم للعقيد (سي محمد بونعمة) ورجاله المجاهدين الصابرين - من الفدائيين - الذين هجروا أرضهم والعمل فيها، وتنكروا للرفش والمعول فحملوا البواريد للعمل في جيش التحرير الوطني من أجل الدفاع عن الوطن.
تقدم تجربة الحياة شواهد كثيرة على قدرته تعالى في تنظيم الكون، بحيث لا بد للخير في النهاية من أن ينتصر على الشر، ولكن ماذا تستطيع العدالة فعله في قضيتنا هذه للنصر على مئات الطائرات (القاذفة منها والمقاتلة) وعلى المدافع الحديثة جدا.