هم وقلق. وفي القلعة الزرقاء أطلق جندي رصاصة على فخذه حتى لا يشترك في العمليات. وفي كل الثكنات والمراكز يرتفع صوت واحد:(اتركونا نرجع إلى أهلنا). وإذا كان الشباب المترف من أبناء الإستعماريين (الكولون) يريد متابعة الحرب، فما عليه إلا أن يحارب ينفسه. إن من السهل على الرجال الاستعماريين أن يتصايحوا في طرقات الجزائر، بعد الرجوع من حفلات الرقص أو السينما، ومن السهل عليهم أن يتابعوا الحرب بدماء غيرهم. فليأتوا بأنفسهم الى المجزرة، وليحتملوا جزءا من غرائم الحرب.
إننا نعرف زيف البلاغات الفرنسية وكذبها، ولهذا فإنه ما من أحد منا يصدقها. إنهم لا يعرفون كيف يكذبون، وفي كثير من المرات كنا نعيش بأنفسنا الوقائع الصارخة التي تكذب بلاغات القيادة الفرنسية. فمنذ بضعة شهور، وقع جنود فرنسيون في كمين بناحية (المياه الساخنة) وقتل فيه (١٢) جنديا من زملائنا. وفي الغد قرأنا في الصحف أن الجيش الفرنسي نصب كمينا في المكان ذاته وقتل عشرات من الثوار. ولم ندهش لهذا الخبر، لأننا لو صدقنا البلاغات العسكرية الفردية، وما تقتله هذه البلاغات كل يوم من جنود جيش التحرير الوطني، لما بقي حتى الآن أي جزائري على قيد الحياة ولكانت الحرب قد انتهت منذ زمن بعيد.
أما في مجال علاقة الجنود الفرنسيين بالاستعماريين (الكولون) فيكفي القول بأن رجال الكولون يتظاهرون بالرقة واللطف مع القادة والضباط، ولكنهم يعاملون الجنود بوقاحة سافرة، وباستهتار يتجاوز كل الحدود. ففي الوقت الذي نسهر فيه على حراسة مزارعهم، محتملين قسوة البرد ولهب الحر، ومعرضين للموت المباغت في ظلمة الليل، يعيشون هم حياة