للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنني أقوم بواجبي كأكمل ما يكون، عندما لا أترك قرية واحدة قائمة، ولا شجرة واقفة على ساقها، ولا حقلا عامرا. وإن الشرور التي اقترفها جنودي كانت لا تعد ولا تحصى. ولكن هل ذلك شر؟ أم هو خير؟ إنني أعتقد أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لحمل السكان على الاستسلام والهجرة).

كان من نتيجة هذه الحياة الجماعية العادلة، أن عاش الفلاح الجزائري بمستوى حياتي جيد ترك أثره في بنيته وصحته. وها هو الجنرال - فالازيه - يشهد بذلك في أحد تقاريره: (كان هؤلاء البدو والسكان في القرى والمداشر، يمارسون بعض الألعاب الرياضة البدنية، التي جعلت منهم، مع ما كانوا يتمتعون به من الهواء الطلق والرخاء الحقيقي في المعيشة، رجالا كاملي الرجولة).

لقد جعلت الحياة الديمقراطية، ورخاء العيش، وسلامة البنية، من الفلاح بالجرائر، نموذجا كاملا للاسان الثائر، فهو لا يعرف سوى الحرية، ويجهل كل أنواع العبودية وأشكالها - إلا العبودية لله الواحد القهار - له نفس تأبى الضيم وتعاف الذل، جبار إذا ما شعر أن كرامته قد أهينت، أسد إذا اعتدي عليه. وإذا ثار فهو صامد لا تلين له قناة، له إصرار على الوصول إلى الهدف يبلغ إلى حد العناد. وهذا النموذج الكامل للإنسان الثائر في شخصية الفلاح العربي المسلم بالجزائر هو الذي جعل مؤسس الإستعمار الفرنسي بالجزائر، (الجنرال بوجو) يصيح صيحة ملؤها الإعجاب فيقول:

(آه! لو لم يكن هناك عرب في الجزائر، أو لو كان العرب يشبهون تلك الشعوب المائعة التي في الهند ... لما نصحت بلادي جلب جالية لنقيم إلى جانب العنصر العسكري. ولكن وجود هذه الأمة التي بلغت من شدة المراس والاستعداد للحرب حدا أرفع بكثير

<<  <  ج: ص:  >  >>