للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تغلب الفرنسيون علينا في حقول السبيخه - وهي الأراضي التي كانت تمتلكها القبيلة التي طردت منها - وقتلوا شبابنا، وفرضوا علينا غرامات ثقيلة وضرائب فادحة، لكن كل هذا هين ولا يعد شيئا، والجراح لا بد لها من أن تلتئم ... لكن إنشاء الممتلكات الفردية الخاصة، والترخيص لكل فرد ببيع الأراضي التي تكون من نصيبه بعد اقتسامها، معناه إصدار قانون بإعدام القبيلة. فبعد عشرين عاما من بدء تنفيذ هذا القانون، سيكون أولاد أرشاش قد انقرصوا عن آخرهم).

لم يكن قائل هذه المقولة خبيرا اقتصاديا، ولا باحثا أو فيلسوفا اجتماعيا، وإنما هو فلاح بسيط في الجزائر، عاش حياة الجماعة، وعرف أنها النمط الوحيد الذي يحافظ على وجود الفلاحين ويحميه من الانقراض أمام سياسة الإبادة المنظمة وأساليب الإفقار والتجويع التي اتبعتها فرنسا، وهي وحدها التي تضمن لهم القدرة لاستعادة قواهم، ثم استرجاع أراضيهم من أيدي المغتصبين الفرنسيين وما دام الفرنسيون قد أدركوا سر قوة القبيلة، عملوا على حلها، فقبيلته ستنقرض بعد عشرين سنة، وفقا لتوقعاته.

وصل الفرنسيون إلى هدفهم، فحلوا الملكية الجماعية، وبحلهم لهذا النوع من الملكية، توصلوا إلى تفتيت جبهة الفلاحين، وخلقوا منازعات بينهم تطورت إلى حروب بين القبائل من أجل رسم الحدود الفاصلة بين الملكيات. وقد حفظ لنا الأجداد قصصا عن فظاعة تلك الحروب التي وقف الفرنسيون الاستعماريون وراءها، وعملوا على تغذيتها وزيادة عمق الخصومات فيها. وما لبثت مقاومة الفلاح لجيوش الاحتلال أن أخذت في الانحدار والتناقص (بعد ثورة سنة ١٨٧١). ولم يكد يحل العقد الأخير من

<<  <  ج: ص:  >  >>