فأعطني بندقية، وأنا كفيل بأن أحضر لك هذا الاستقلال، وأطرد الفرنسيين من الوطن). ثم انطلق الفلاح العجوز وتركني جامدا في مكاني أتابع ببصري خيوط الدخان المتلاشي في الفضاء الواسع، وأضغط على رزمة المنشورات في يدي بعصبية.
إن شهامة الفلاح جعلته ينظر إلى فشل أول جولة في الانتخابات، كصفعة وجهها إليه ساكن المدينة (البلدي). لقد صدق أسطورة الانتخابات في أول الأمر. ولكن سرعان ما تركها واعتبر دعوة ساكن المدينة المستمرة لها سلسلة من العبث غير المجدي والسخرية.
وثارت تونس في سنة ١٩٥٢، أي قبل ثورة الجزائر بسنتين، وتبادرت إلى أسماع الفلاحين حوادثها محاطة بهالة من الأسطورة المحببة لدى الجماهير البسيطة، فانطلقت أفواج هؤلاء الفلاحين تخترق حدود تونس إلى معاقل جيش التحرير التونسي، لتحارب جيش الاستعمار. ويكفي أن نعرف أن (الأزهر شريط) أحد أبطال (معارك الجرف) الخالدة، وقائد منطقة الجبل الأبيض، كان يحارب في صفوف جيش التحرير التونسي قبل غرة نوفمبر - تشرين الثاني - ١٩٥٤. واعتبر الفلاحون بالجزائر تقاعس شعبهم، في الوقت الذي تثور فيه تونس ومراكش - المغرب - لطخة من العار. وكثيرا ما كان الفلاح يصرخ عند سماعه إذاعة (صوت العرب) عن أنباء تونس والمغرب (ألسنا رجالا؟ هل التونسيون والمراكشيون أرجل منا؟).
بدأ شباب جيش التحرير الوطني في الإعداد للثورة، منذ بداية سنة ١٩٥٤، وانطلقوا في عملهم إلى القرى، فوجدوا الفلاحين يتقدون حماسة للثورة، ويهتاجون كالبراكين، ويترقبوا شارة