الانطلاق ليثبتوا للعالم أن الجزائر ستبقى غنية بأبطالها ومجاهديها. وما إن أعلنت ساعة الصفر حتى انطلق هذا الفلاح البسيط يمنح الفعالية والقوة، لا لثورة الجزائر فحسب، بل وللثورة العربية في كل بقاع العالم العربي. وراح الفلاح يفتح الجبهات الجديدة، من غير أن ينتظر تكليفا أو أمرا من القيادة، وما هي إلا شهور قليلة حتى كانت جبال الأوراس والنمامشة وشمال قسنطينة وجرجرة تنطلق بحسم الثورة ممتزجة بألحان الحرية.
ويبقى للفلاح الجزائري الفضل في استمرار الثورة وتجاوزها للصعوبات والعراقيل، واختراقها للستار الحديدي الذي فرضه الاستعمار على الثورة الجزائرية. فلقد صمد الفلاح لسياسة التجويع والتشريد والإبادة. وكانت الروح التعاونية السائدة بين الفلاحين هي التي كفت جيش التحرير الوطني مؤونة البحث عن الملجأ والطعام واللباس. ولم يكن غريبا أن تتعرض المناطق لنقص في التموين والمواد الغذائية، حيث كانت المناطق التي تجتاحها القوات الفرنسية تستيقظ فجأة فتجد أن ما تمتلكه من المواد الغذائية قد نفذ في لحظة واحدة. وهنا كان يسرع الأغنياء، ومن تمكنوا من الحفاظ على احتياطي من الحبوب أو النقود، لتقديم العون، فيتقاسمون مع بقية سكان العربية لقمة العيش، إلى أن طلع عليهم يوم، وأكياس سكان القرية، كل قرية، غنيهم وفقيرهم، ملاكهم ومعدمهم، وهي خالية من الزاد، فارغة من التموين.
كان الفلاحون، في الوقت الذي يشاهدون فيه فلذات أكبادهم يتضررون جوعا، يرسلون الوفود إلى قادة جيش التحرير، ليقولوا لهم بالحرف الواحد: (إياكم أن تتوهموا ضعف معنوياتنا فتراودكم نفوسكم على التنازل، استمروا في الكفاح، اثبتوا على الاستقلال