المؤدي إلى ساحة المصلى الفسيحة. وكان المؤمتون المصلون قد اصطفوا أنساقا متراصة ينتظرون موعد الخطبة والصلاة. ولم يكن الوصول إلى المحراب سهلا وسط هذا الزحام، إذ كان لا بد من تجاوز كل هذا الجمع الحاشد. وأمكن تجاوز الصعوبات والوصول الى الهدف، مع تقديم آلاف الأعذار للمصلين المؤمنين الذين كانوا يصوبون نظراتهم المتسائلة الى هذا الذي سار مخترقا صفوفهم على غير ما جرت عليه - العادة، حتى وصل إلى جوار المحراب، واختار مكانا لجلوسه. وأخذ في إعداد نفسه للعمل في اللحظة المؤاتية. وكان صمت المصلين وخشوعهم كافيا لإثارة مختلف المشاعر. ولم يعد يشعر الفدائي (محمد الأندلسي) إلا وجيب دقات قلبه، وإلا بإيقاع رقاص الساعة المعلقة فوق المحراب.
لم يكن من المسموح به الوقوع في أي خطأ، إذ أن أي حركة في غير محلها كافية لإثارة الشكوك، وتعريض الشبكة بكاملها لخطر الدمار. وكان المنفذ الرئيسي (محمد الأندلسي) يحمل أكبر قسط من المسؤولية، ولهذا فقد انصرف بتفكير. كله نحو إنجاز المهمة بنجاح تام، ولم تنتابه، ولو للحظة واحدة، فكرة عما قد يتعرض له، وكان جل اهتمامه هو تنفيذ الواجب الذي أخذ على عاتقه مسؤوليته ونتائجه وبينما كان (الأندلسي) مستنفرا لكل أعصابه، متحفزا، ارتفع صوت الإمام وهو يمسك بمكبر الصوت:(الله أكبر) - وقفز (الأندلسي) واختطف من يده (المكبر). وانطلق في حديثه:(باسم جبهة التحرير الوطني، وباسم جيش التحرير الوطني ..) واستمر في إلقاء البيان، من غير أن يعارضه الشيخ الإمام أو يقاطعه، وكان جمهور المصلين يستقبل فقرات البيان بهتاف مجلجل كارعد، في حين كانت زغاريد المسلمات (اليويو) ترتفع