فأخذه نوع من الفزع، وارتفع صوت الطنين في أذنيه، وتدفق العرق غزيرا من ظهره وثنايا جسمه، وكاد يرتفع صوته بالصراخ عندما مرت به ناقلة نصف مجنزرة كادت تلامس جسده.
وانقضت لحظة متطاولة بعد مرور المركبة الأخيرة، وأطلق (سي بوجمعة) صرخة حادة أيقظ بها رفيقيه من ذهولهما، فأسرعا إليه وقدما إليه تقريرهما الشفهي وهما يرتجفان خوفا من أن يتضمن تقريرها شيئا من الخطأ: كانت القافلة مكونة من (١٧) عربة نقل - كميون - بينها (١٤) مثقلة بحمولتها من الذخائر والمواد التموينية والجنود. وكانت هذه القافلة محمية في مقدمتها بدبابة ومدرعتين خفيفتين، مع مدرعة وسط القافلة وأخرى في مؤخرة القافلة. ثم جلس أفراد الدورية لفترة قصيرة، ثم قال (سي بو جمعة) بغتة لرفيقيه: (هيا بنا! فلنخرج!). غير أن ضوءا يخطف الأبصار، قطع عليهم أنفاسهم، وأرغمهم على الجلوس في أمكنتهم. وتقدم (رئيس الدورية - سي بوجمعة) خطوات، ثم قال لرفيقيه:(إنهما مركبتان: سيارة خفيفة (جيب) وسيارة نقل (كميون)). وأمسك بمسدسه الرشاش بغتة وهو يقول:(سنهاجمهما) وتذكر بأن رفيقيه لا يحملان السلاح، فأخرج قنبلتيه اليدويتين، وأعطاهما لرفيقيه، وشرح لهما كيف يستخدمانهما. وأظهر لهما المكان المناسب لوقوفهما، وشرح لهما بهدوء تام، ومرات متتالية، ما يجب عليهما عمله لتنفيذ المهمة وأخيرا قال لهما بلهجة جافة وحازمة:(عليكما بعد إلقاء القنبلتين الصعود إلى المرتفعات، فإذا ما سمعتما صياح ديك، فانضما إلي).
ترك رفيقيه وهما جاثيان على ركبتيهما، ومضى يزحف كالثعبان على الطريق. ووصلت المركبة الأولى (سيارة الجيب)