الدماء، كما التصقت الألبسة باللحم، ولم يكن بالامكان متابعة النظر في هذا المشهد. إذ تصاعد إلى حلق كل من المجاهدين شعور بالحاجة للتقيؤ، وفعلا ذلك مرات متتالية. بينما كان (سي بوجمعة) يتابع التفتيش، فأخذ بارودة السائق (وهي بارودة ماس - ٣٦) وأعطاها إلى (دهمان رمضان) ومعها نطاق يحمل الذخيرة. وظهر نور شاحب أصفر يبشر بظهور القمر على خط الأفق. وإذ ذاك التمعت على سطح الأرض علب المحفوظات (الكونسروة) المتناثرة، وكذلك الرزم والصناديق المنتشرة هنا وهناك، وكانت بعض الصناديق لا تزال سليمة وقد قذفت بها عربة النقل أثناء سقوطها وانقلابها على مجنبتها. وجرى بعد ذلك تفتيش العربة الخفيفة - الجيب - فتم استخراج مسدس رشاش ومزودة تحتوي على ثمانية مخازن محشوة بالرصاص، أعطاها (سي بوجمعة) إلى رفيقه (سي الأخضر). وبعد ذلك استدار (سي بوجمعة) حول العربة، ودفع الضابط القتيل وانتزع منه نطاقه الذي كان يعلق فيه مسدسه. ومضى مبتعدا عن رفيقيه اللذين قاما بجمع الأسلحة وحملا قربة ماء وبعض المعجنات (كاتو) والشوكولا. وابتعد قليلا عن المكان واضطجعا أرضا وأخذا في تجربة سلاحهما واختباره وهما يفكران بأمر مهمتهما، حتى إذا ما انقضت عليهما ساعة من الزمن وهما صامتان، قام أحدهما بقطع حبل الصمت وهو يقول لرفيقه:(ما أجمل ضوء القمر، لقد تغيرت ظلال الأشياء، غير أن (سي بوجمعة) قد تأخر، وأخذت أشعر تجاهه بالقلق).
لم تكن مرابط الجمال بعيدة عن المكان، وهيمن خوف من اصطدام رئيس الدورية بالعدو، الأمر الذي أخر وصوله. وكان لا بد من العودة إلى مركز القيادة قبل الفجر، حتى يتم تجنب كل طارىء