لم يكن (شي الشيخ) إلا زهرة في مقتبل العمر، وبالرغم من ذلك، فقد عزف عن كل مباهج الحياة، وابتعد عن مسراتها. وآلى على نفسه أن يعيش للثورة، ولم يكن هناك ما يعادل شجاعته إلا إيمانه العميق بالله الواحد القهار، وبحتمية انتصار الثورة.
أقبلت عشية رأس السنة الجديدة في يوم ٣١ كانون الأول - ديسمبر - ١٩٥٦، واستعد الاستعماريون للاحتفال بها كعادتهم: بالطعام والشراب والرقص والغناء، فيما كان يعيش الشعب الجزائري محنته تحت وطأة التعذيب الوحشي والضغط الذي لا يحتمل.
في هذا اليوم ذاته، كانت حلقة رهيبة تنغلق بصررة بطيئة وهي تحيط (بولد بن راشد). حيث انطلق مئات الجنود الاستعماريين من كافة المراكز العسكرية المجاورة: من (سيدي علي بن زمرة) و (نيدورما) و (سيدي المشكور) و (العين الكبيرة). وأخذوا في التقدم نحو الدوار المقفر من الرجال الذين شعروا بريح التحركات العسكرية لجنود الأعداء. فلجؤوا على عادتهم إلى (الكهف). وكان هذا الكهف عبارة عن مغارة ضخمة قد لا يوجد لها مثيل في الجزائر كلها. وهو يقع عند الحد الشرقي للدوار، حيث تمتد من هناك الحقول الزراعية لجبل (القرية) في وسط نباتات كثيفة للغاية. مما حمل على الاعتقاد بأنه من المحال الوصول إليه. ولهذا فقد أعد لإنقاذ آلاف الجنود المجاهدين. ولعله من الصعب تحديد اتساعه، غير أن الأمر المعروف هو أن الزائر يستطيع السير فيه طوال خمس ساعات من غير أن يتمكن من تحديد أبعاده، حتى أنه يستطيع إيواء ألفي شخص دون أن يضيق بهم.