للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت (عقيلة) تعمل في النهار كما يعمل كل من حولها، متجنبة كل ما يثير شبهات القرية بأمرها أو بدفعهم للتعرف على شخصيتها. ولم تكن قرية (بيرقسطلي) أكثر من قرية متواضعة لا يزيد عدد منازلها على (ستين مسكنا). والأمر الواضح هو أنه من المحال في قرية كهذه إبقاء قادم جديد بعيدا عن الأعين الفضولية، أو عدم التعرف على وجوده.

وكانت (عقيلة) تعمل طوال النهار في انتظار قدوم الظلام، حتى إذا ما هبط الليل، خلعت عنها ثوبها (جلابيتها - أو دشداشتها) وارتدت ثوب القتال (لباس الميدان للجنود) ومضت مع زوجها، حتى تعود في صباح اليوم التالي. وعندما لم تكن ترافق زوجها (سي الأخضر) كانت تعمل بوصاياه وتعليماته؛ فتنتقل في كل ليلة من بيت إلى بيت، وتقتصر في حديثها على الحد الأدنى مما هو ضروري. دون أن تذكر شيئا عن المكان الذي جاءت منه، أو تكشف عن هويتها ومن تكون، ذلك لأن الحركيين يترصدونها، والجنود الإفرنسيين قد شددوا البحث عنها. وبات لزاما عدم التعرض لأي خطر عن طريق ترك أي أثر قد يهتدي به (القوم) لمعرفة حقيقتها أو افتضاح أمرها.

عثرت الدوريات التي دفعها الإفرنسيون للبحث عن آثار (الفلاقة) عل المندل - الفولار - الذي كان (سي الأخضر) قد أعطاه لزوجته (عقيلة). وسلموه إلى النقيب (آموريك) الذي قام بإعطائه الى امرأته - الطبيبة في المركز الصحي -. وعملت هذه بدورها على إظهاره أمام (رتيبة) الممرضة التي كانت تهتم بأمر (عقيلة) وتعتني بها، وقالت لها بصوت متهدج، وبلهجة صارمة: (انظري: ها هو منديل - فولار - رفيقتك الفلاقة، وآمل أن تتجنبي فعل ما قامت بعمله، وإلا فإنني سأفك لك رقبتك ...).

<<  <  ج: ص:  >  >>