الوحشية، وقد دعمت هذه المعرفة حجتها للصراع، وقلبت كيانها المرهف الإحساس.
حصلت (فضيلة) بعدئذ على فترة من الهدنة، وسمح لها بمتابعة دراستها، بشرط ترك البلاد لفترة معينة، إنها فتاة متعلمة ومناضلة، وقبلت. إن هذا العرض سيزيد من صلابتها، وسيشجعها على المضي قدما في الطريق الذي اختارته لنفسها. وكانت هناك فكرة نبتت في ذهنها، وأخذت تلح عليها باستمرار، فبعد الحصول على القسم الثاني من شهادتها الثانوية (البكالوريا) ستتابع دراسة الحقوق في جامعة (كلير مونت - فيراند) في فرنسا.
مضت (فضيلة) الى فرنسا تاركة وراءها فراغا كبيرا، غير أنها كانت هناك على كل حال في مأمن، وبعيدة عن الضغوط التي كان يرزح تحتها شعب الجزائر، مما كان يترك نوعا من الطمأنينة تجاهها في نفوس أولئك الذين يعرفونها ويحبونها. ومضت الأيام متلاحقة، وأشرفت السنة الدراسية على نهايتها. وأخذنا ننتظر عودتها بصبر نافذ، ونعد الأيام التي تقربنا من العطله الصيفية.
كنا نردد باستمرار القول: ستكون (فضيلة) بيننا عما قريب. وكانت تصلنا ما بين فترة وأخرى معلومات متفرقة عن أختها (مريم) التي كانت تعاني بدورها من ظروف العيش في سجن المدينة. ولم يرحم أحد حياتها البائسة، فسقطت شهيدة بين أيدي جلاديها. (مريم) تلك السجية التي كانت تشدني إليها عواطف الصداقة العميقة. لقد انضمت إلى قافلة الضحايا الذين مضوا إلى ربهم، إنها ضحية جديدة من ضحايا (النشاط الاستعماري) ورجاله الذين تجردوا من الضمير، وحرموا من كل عاطفة إنسانية. ولكن المشكلة الراهنة: هي كيف يمكن إعلام (فضيلة) بموت أختها؟ إنها