تجاه تلك الوحوش الاستعمارية؟ كم أنت بائسة يا (فضيلة)؟. وما أحوجك إلى قدر إضافي من الشجاعة؟ وكم هو صعب ما تواجهينه؟ ولكن لا بد من مواجهة الأمر الواقع، هذا الواقع الذي أصاب نفسك بجرح عميق سيبقى نازفا. إبتهلي إلى الله حتى يحفظ لك ملكاتك العقلية!.
جاءت (فضيلة) لزيارتنا في اليوم التالي لوصولها. واستقبلتها مع أفراد عائلتي. كانت منهارة القوى، وكانت نظراتها ساهمة شاردة، تنظر إلينا محدقة وهي لا ترانا. وكانت نفسها تفيض مرارة بأكثر مما تفيض غضبا وهي تقول:(لقد ماتت مريم، كيف يمكن احتمال ذلك؟ يجب ألا يستمر ذلك!) ترى بماذا كانت (فضيلة) تفكر وهي تنطق بهذه الكلمات؟.
لقد كانت (فضيلة) تعيش في تلك اللحظة ذروة الانفعال، وأقصى درجات التأثر والاستثارة. كانت دموعها تنهمر بغزارة، فشاركناها جميعا البكاء وكان صوتها المختنق بالعبرات يتلجلج بكلمات أخرى غير واضحة ومتقطعة بسبب إجهاشها بالبكاء. كانت عيناها متورمتين، منتفختين، وصمتت قليلا، ثم عادت وأجهشت منتحبة، وانتصبت واقفة وارتسمت على وجهها خطوط قاسية، وعاد صوتها حادا، يشبه الزئير.
بقيت (فضيلة) شديدة التعلق بنا قدر تعلقنا بها، فكانت كثيرا ما تفتح لنا صدرهما لتبوح لنا بأسرارها. غير أنها بقيت صامتة في هذه المرة. وهي لم تكن في حاجة للإفصاح عما ستفعله، كان تصميمها واضحا، يغني عن كل بيان. وعرفنا أنها لا زالت تملك معينا لا ينضب من الحزم و (المراس الصعب). وكل ما كان باستطاعتنا قوله لها: كوني حذرة ...