انضمت (فضيلة) إلى الثوار الذين استقبلوها كما لو كانوا في انتظارها. وحملت السلاح في الجبال مع إخوانها المجاهدين وأخواتها المجاهدات. ولقد حملت السلاح في هذا المرة وهي أكثر ثقة بقدرتها على الانتقام من الأعداء. إنها ستنتقم لأختها (مريم). ولن يثنيها عن عزمها شيء، هنا ستعيش مع وطنها الحقيقي، وطن الحرية، وستنال حريتها وتمارسها قبل أن يتحرر وطنها.
...
استخدمت (فضيلة) منزلنا ملجأ لها باستمرار، فلم تنقطع اتصالاتنا بها، وعندما كانت تنقطع عن زيارتنا، كانت أيامنا تمضي ثقيلة، حزينة، رتيبة، حتى جاء ذلك اليوم الحاسم عندما أقبلت علينا، وانتحت بوالدتي (ليلى) جانبا لتتحدث إليها بأمر يهمها، ولتسر إليها بكلمات أمكن لأذناي التقاطها:(يجب أن أقابلك غدا على الرصيف - ظهر! - بكل تأكيد ...).
وتناولنا طعام الغذاء معا. كانت (فضيلة) على غير عادتها، مرحة حتى أبعد حدود المرح. وضحكنا كثيرا. وتحدثنا عن أيام الدراسة في المعهد. وتذكرنا (العصـ ... يان) والسيد (غروس) أستاذنا في تدريس اللغة العربية، وسخريتنا منه، وهزأنا به، عندما كان يلقي دروسه. واستعدنا كلماته:(آنسة سس - أو آنسة ي - هيا اخرجي من الدرس)(وأنت يا آنسة فضيلة - كوني على حذر). وكان الأستاذ (غروس الأصلع والسمين) يصطبغ أثناء ذلك باللون الأحمر. وهو يحدجنا بنظراته من فوق نظاراته. فكان يظهر لنا وهو يكاد يتفجر غيظا، ثم لا يلبث حتى يعود إلى هدوئه ليشرع في توجيه نقده اللاذع ضد الجميع، وضد أي موضوع. ويبدأ بعد ذلك برواية القصص المضحكة والتي لم يكن يضحك لها إلا هو وحده. وعلى