هذا خيم على منزلنا جو من المرح لم نعرفه منذ وقت طويل. وأثناء ذلك قالت (فضيلة): (إنهم سيشرعون بإجراء المفاوضات في (مولون) وسنحصل في هذه المرة على الاستقلال بكل تأكيد).
لقد كانت اليوم شديدة التفاؤل، صافية النفس، خلافا لعادتها، إذ كانت باستمرار تظهر متفرقة في تفكير عميق، وتتصرف بجدية مطلقة. وكان ذلك مبعث بهجتنا، فضحكنا كثيرا ومن أعماق قلوبنا. وكان يوما لا ينسى. غير أن أختي الصغرى قطعت علينا مرحنا، وأثارت تشاؤمنا عندما قالت:(إن من يضحك الجمعة، سيبكي يوم الأحد). وكان ذلك اليوم هو يوم الجمعة.
تركتنا (فضيلة) وكلها مرح وتفاؤل، وكانت قسمات وجهها تعكس ما يعتمل في نفسها من صفاء وطهر ونقاء، فمضت والابتسامة الحلوة على شفتيها. لقد كانت مقتنعة باقتراب موعد السلام. فغرست في نفوسنا نواة الأمل باقتراب فجر المستقبل الذي سيشرق بإذن الله. وقالت لأمي (ليلى) التي كانت مثل أمها أيضا، وهي تودعها: إذن! إلى الغد!. وأجابتها أمي: إلى اللقاء غدا. ولما كنت على وشك الوضع لمولودي الثالث، فإن (فضيلة) لم ترغب بالذهاب قبل أن تهمس لي بأمنيتها: (أتمنى أن تضعي لنا هذه المرة مولودا ذكرا).
لم أتمكن من منع نفسي عن التفكير بأمر (فضيلة) بعد أن غادرتنا، فقلت مناجية:
(ماذا ينقصك في هذه الحياة وماذا تفتقدين؟ إنك يا (فضيلة) فتاة لا تقاوم! ويحبك الجميع حيثما ذهبت وأين حللت. إنك برقتك تجتذبين كل من حولك! وباستطاعتك رعاية أسرة سعيدة. إنك زهرة متفتحة، تعيشين في يسر وبحبوحة! ابتسامتك البريئة تظهر غمازتيك