وكأنه يشاطرني ما أنا فيه؛ واستمر لساني في الهذيان: فضيلة، يا الله، لماذا؟ وعمر! و (رواج)! .. ولا زالت الصحيفة في يدي وأنا أقتحم باب المنزل صارخة، - أماه - أبتاه - أنظروا! لقد ماتت (فضيلة).
وبكت والدتي حتى احمرت عيناها، وانتحت بي جانبا لتقول لي اهتمي بنفسك، وانظري إلى حالتك. هل نسيت أنك ستضعين مولودك .. قريبا.
...
مضت (فضيلة) عن هذه الدنيا، ولم تخطئها يد القدر في هذه المرة غير أن الأسئلة لا زالت تلح علينا وتشغل تفكيرنا، كيف ماتت؟ وهل تعذبت قبل أن تلفظ أنفاسها؟
وذهبت والدتي (ليلى) فورا لتعزية والدة (فضيلة) في مصابها، ومعرفة تفاصيل ما حدث. وكانت الام البائسة قد جلست تحت ثقل كارثتها حتى لم تعد قادرة على الوقوف، كانت متهدمة محطمة، قد تغيرت كل ملامح وجهها، وتورمت عيناها لكثرة البكاء. وكان رجال الشرطة قد وصلوا إلى هناك. لينقلوا إليها تفاصيل المأساة الجديدة. وكانت كل كلمة من كلماتهم كافية لتمزيق أشد القلوب قسوة إلا قلوب الاستعماريين:
كانوا ثلاثة قد وصلوا إلى منزل (الرصيف) حيث الموعد. واكتشف الإفرنسيون أمرهم، وأرادوا أخذ (فضيلة) وهي على قيد الحياة. فنادوها مرات كثيرة حتى تخرج إليهم، واستمرت في الرمي حتى نفذت ذخيرتها، ثم صعدت الى السطح وهي تصرخ بملء صوتها القوي: