واطلعت على مأساته، فيما بعد، وعندما جاءت ظروف مناسبة.
...
مررنا نحن السجينات بحالات متناقضة، على نحو ما يحدث في كل سجون العالم. فقد كانت تصادفنا أحيانا بعض اللحظات الحلوة. وكنا نسافر بعيدا مع (ي) الجميلة، ونصفق لها وهي ترقص وتغني. وتعلمنا من (ف. ت) بعض الأغنيات الشعبية. وقضينا لحظات ممتعة مع العجوز (ي) العرجاء، والتي كانت تقص علينا (حكايات الأساطير) بصوتها الأجش، قبل أن ننام، فتذكرنا بالأطفال عندما يتحلقون حول الجدة لتهدهدهم بحكاياتها الحلوة كنا نحتمل الجوع، ونحتمل البرد، ونحتمل المرض، ونحتمل حتى (اللائحة البيضاء) .. غير أن شيئا واحدا لم نكن قادرين على احتماله، لشدة ما يثير فينا من الفزع، وذلك هو (أبو شكارة - أولابس البرنس)(١). الذي ما أن تلمحه إحداهن وهو ينزل من المركبة الخفيفة (الجيب) حتى تسرع بالدخول إلى المهجع لتعلن قدومه. وعندها تسرع كل واحدة لتمسك شيئا تغطي به وجهها وكتفيها، سواء كان هذا الشيء: شالا، أو قميصا، أو غطاة صوفيا، أو معطفا. الخ ... حتى لا يظهر إلا قسما صغيرا من الوجه.
كان (أبو شكارة - أو لابس البرنس) يقترب من المهجع وبرفقته رجلين من المظليين، وقد غطى وجهه ونصف جسمه بكيس مفتوح من طرف واحد، وقد ثقب هذا الكيس في موضع العينين. وكان
(١) البرنس هنا ترجمة كلمة: CAGOULE وهي الثوب الفضفاض، لا أكمام له - وله غطاء رأس متصل به - كالممطر - ومنه ما يستر الوجه بحيث لا يظهر منه إلا العينين، عادة ما يلبسه الجلادون الذين يكلفون بتعذيب الآخرين أو إعدامهم.