غالبا ما يسير مترنحا، يساعده المظايون في سيره، إنه قادم ولا ريب من (حفلة تعذيب) ويداه مقيدتان الى ظهره. وكان الرجال أيضا يبتعدون عن النوافذ لدى رؤيته. كان الخوف يسيطر علينا جميعا، رجالا ونساء. لقد جاء هذا الرجل ليكشف أمر من يعرفهم من المشتركين معه في عمل من أعمال الثورة، وقد غطى وجهه حتى لا يعرفه أحد أو يتعرف عليه. فيعملون على إدخاله إلى كل مهجع من المهاجع، حيث ينتصب المعتقلون وقوفا، وينتظرون بقلق بالغ مروره، وتجاوزه لهم سلام. وكثيرا ما كانت بعض أخواتنا المعتقلات، تسقطن مغميات عليهن لشدة تأثرهن برؤية (أبو شكارة). ولقد كانت حالتنا الجسدية وهذا الرعب اليومي أكبر وأقوى من قدرتنا على الاحتمال. وكان ما يخيفنا هو معرفتنا بأن (أبو شكارة) قد يتهم أي إنسان، سواء من أجل كسب الوقت، أو ليخفف من آلامه، أو أنه يشير إلى أحد من يعرفهم بدافع الحقد أو بدافع الغيرة، ولهذا كانت لدينا أسباب كافية للشعور بالذعر. وكان يتم اقتياد من يشير إليه (أبو شكارة) فيأخذه معه. وأحيانا يعود (أبو شكارة) وحده، من غير أن يتعرف على أحد، وحتى في مثل هذه الحالة، فإننا لم نكن نجرؤ على التفكير بما ينتظره بعد عودته إلى (التعذيب).
استطعنا من خلال الأحاديث السياسية مع الرقيب والعريف، أن نتعرف على هذه المخلوقات: سواء هؤلاء الذين يعملون على حراستنا، أو أولئك الذين يعملون في تعذيبنا. بعضهم من الأيتام، وبعضهم كانوا أحداثا جانحين، وبعضهم الأولاد الأكبر - البكر - في عائلات كثيرة الأولاد - وكثير من الشرسين المجرمين. وجميعهم بصورة عامة، من الجهلة الذين يفتقرون للتكيف مع المجتمع،