الفتنة صاروا إلى الاستعباد. وأخرج الباقون من البلاد مخفورين، فمات كثير منهم على الطرق تعبا. ومنهم من أجاز إلى (بر العدوة) في المغرب. وطافوا هناك سائلين - متسولين - لأجل قوتهم الضروري. ومنهم من لجأ إلى البلاد الإفرنسية، حيث استقبلوهم برا وترحيبا، واحتاج إليهم هنري الرابع لأجل دسائسه في مملكة إسبانيا. والحقيقة أن (هنري الرابع) أصدر أمرا بقبولهم في فرنسة لكن على شرط أن يتحولوا إلى كاثوليكيين. وقد نفذ الأمر، وأرغموا على التنصر، وبقي الأمر على ذلك حتى بلغ السلطان العثماني، فأرسل إلى (هنري الرابع) يطلب إليه إخراجهم إلى بلاد الإسلام، فخرج أكثرهم. وبقي من اختار الإقامة بفرنسا مع النصرانية. ولما ظهر مذهب (البروتستانت) وكان منهم من اختار هذا المذهب، أصدر لويس الرابع عشر أمره بطرد البروتستانت، فهاجر قسم من هؤلاء إلى سويسرا. وبينهم العالم الشهير (أبو زيد) الذي كان من أعلم علماء عصره في كل فن، وكان صديقا لفولتير وروسو ونيوتن ولايبينتز. وكان فولتر يقول عنه (صديقنا العربي). وطالما كان فولتير يستفتيه في عويص المسائل، كما كانت بينه وبين روسو مراسلات كثيرة جمعت في كتاب.
المهم في الأمر، هو أن الإسبانيين لم يتمكنوا من إخراج المسلمين دفعة واحدة. ولم ينته إخراجهم إلا في سنة (١٦١٠م) حيث وقع الجلاء الأخير ولم يبق في تلك البلاد مسلم واحد بعد أن وليها الإسلام ثمانية قرون. ويقال أن عدد من خرج منهم منذ اليوم الذي سقطت فيه مملكة غرناطة إلى السنة العاشرة بعد الألف والستمائة يبلغ ثلاثة ملايين وأن الذين خرجوا لآخر مرة يبلغ نصف مليون. وأما الإسبانيون المساكين، فلم يعرفوا ماذا يصنعون ولا فهموا أنهم كانوا