يخربون بيوتهم بأيديهم بل كانوا فرحين مسرورين بطرد المغاربة الذين كانت بهم إسانيا مركزا للمدنية، ومبعثا لأشعة العلم طوال قرون عديدة. وقلما استفادت بقعة أوروبية من حضارة الإسلام بمقدار ما استفادته هذه البلاد. فلما غادرها الإسلام، انكسفت شمسها وتسلط نحسها، وإن فضل مسلمي الأندلس ليظهر في همجية هؤلاء القوم وتأخرهم في الحضارة، وسقوط هذه الأمة في مكانتها الاجتماعية بعد أن خلت ديارها من الإسلام.
يمكن بعد ذلك العودة إلى دور الجزائر الفتية في دعم هذه الثورة، ففي شهر كانون الثاني - يناير - من سنة (١٥٦٩م) أرسل والي الجزائر (كلج علي) الأسطول الجزائري لدعم الثائرين، وحاول هذا الأسطول إحباط عملية الإنزال. وبلغت الثورة عنفوانها، عندما وصلت زواح الشتاء أوج قوتها في البحر، ولكن ذلك لم يمنع المجاهدين في البحر من بذل كل الجهود لمقاومة الأعاصير من أجل الوصول إلى أماكن أخرى على الساحل لإنزال الأمداد والدعم. غير أن الزوابع والأعاصير أغرقت (٣٢) سفينة جزائرية كانت تحمل الرجال والسلاح. ولم تتمكن إلا ست سفن فقط من إنزال شحنتها فوق سواحل الأندلس، وكان فيها المدافع والبارود والمتطوعون الجزائريون. ولم يأبه والي الجزائر (كلج علي) لهذه الكارثة فصمم على إرسال مدد جديد لمسلمي الأندلس، وتمكن من إنزال أربعة آلاف من مجاهدي الجزائر، خلال شهر تشرين الأول - أكتوبر - من سنة (١٥٧٠م) من رماة البنادق النارية، مع كمية كبيرة من الذخائر، علاوة على بعض قدماء المجاهدين العثمانيين للعمل في مراكز قيادة الثورة. وعاد الجزائريون، فأرسلوا دعما جديدا من الرجال والسلاح، وعزم (كلج علي) على قيادة الحملة بنفسه للجهاد هناك - فوق الأرض