للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت جراح هؤلاء قابلة للشفاء، بالرغم من نزيف دمائهم، وبالرغم أيضا من الزرقة التي كانت تحيط بجراحهم بسبب برد الليل القارص. غير أن القوات الفرنسية كانت تجهز عليهم بطريقة قد لا يتصورها الإنسان الطبيعي. لكن الجزائريين كانوا يرون ذلك رأي العين. وقد برز في هذا الميدان - ميدان الوحشية المجرمة - عدد من القادة العسكريين الذين كانوا يتولون ما يطلق عليه اسم (إدارة عمليات التطهير) فإذا ما وجدوا جريحا، صوبوا أحذيتهم الثقيلة إلى جروحه حتى يموت من الألم. وكانوا يمزحون مزاحا فظا أثناء التقاط صورهم الفوتوغرافية مع هؤلاء الجرحى، حيث يقولون للجريح وهو في طور الاحتضار: ابتسم حتى تكون الصورة جميلة. ابتسم للعصفور الصغير ثم يسحبون سكينا من سكاكين المطبخ، ويشرعون في شحذه (سنه) على الصخر، على مشهد من الضحية - قبل أن يذبحوها ذبحا بطيئا ليس فيه شيء من أصول الذبح - الجزارة - ويبعدون النصل عن الضحية حتى يطول عذابها. وعندما تصبح هذه جثة هامدة، لا يعدم جلادوها نكتة يطلقونها عليها لتشييعها إلى الآخرة. وقد يضيفون إلى الذبح إطلاق رصاصة عن كثب على وجه الرجل حتى يصبح هذا الوجه كومة دموية مشوهة ليس لها وصف في قاموس البشاعة.

ومما يذكر أن الفرنسيين قد قتلوا الأسرى، وفيهم أسير كان محتفطا بمقدار كاف من القوة ليحمل لهم على ظهره جهازا لاسلكيا ضخما طوال ساعات عديدة. وقد شاؤ وا أن يكون القتيل وسيلة لبث الرعب في نفوس الأهالي، فاستدعوا الفلاحين من القرى البعيدة للقيام بنقل جثث القتلى إلى أسفل الجبل على ظهور الخيل ودفنها في إحدى ثنيات الوادي، وتحت طبقة من التراب لا يزيد سمكها على

<<  <  ج: ص:  >  >>