ولكن في معظم الحالات ظل أصحاب المخازن مختفين، وتركوا للسلطات أن تخلع الباب والواجهة، ولم تسلم بعض هذه المخازن من النهب ... وفي الأحياء القريبة من المدينة العربية، والمأهولة بالأوروبيين اكتفت السلطات بدك الواجهات وتخريب المبيعات ... أما في وهران وتلمسان وسيدي ابن العباس ومستغانم، فقد أغلقت معظم المخازن، وشمل الإضراب قسنطينة، حيث خلت سائر الأسواق والمخازن من أهلها وكذلك بالنسبة للمناطق المجاورة لها حيث كانت نسبة المضربين عالية جدا، حتى في أوساط الموظفين، رغم العقوبات الشديدة التي توعدتهم بها السلطات.
وفي فرنسا ذاتها، سجلت حركة الإضراب، في بداية الأسبوع، انتصارات واضحة جدا، وقد اضطرت المصالح الرسمية ذاتها للاعتراف بأن نفوذ الجبهة في أوساط العمال الجزائريين المهاجرين إلى فرنسا أخذ في التعاظم. وأيا كانت النتيجة التي سيؤول إليها الموقف، في الأيام القادمة، سواء في الجزائر أو في فرنسا، فثمة حقيقة باتت مقررة، وليس لأحد أن ينتقص من أهميتها، ولو لم نستتع آثارها المباشرة تلك أن نفوذ الجبهة يتعزز باستمرار وانتظام سواء في أوساط العمال المهاجرين، أو بين جماهير الحضر بالجزائر).
...
يظهر العرض السابق أن جبهة التحرير باتت بعد المراحل الأولى من الصراع المرير وهي واثقة من قدراتها، عارفة لإمكاناتها، مؤمنة بالتفاف الشعب الجزائري حول أهدافها. ولهذا فلم يكن هناك ما تخشاه من محاولات (ديغول) للعزف على إسطوانة (الدمج) المهترئة، غير أنه لم يكن باستطاعتها في الوقت ذاته ترك المبادءات