للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظلامة غرق الهالكين، وقاد في الأرض حملة من الظلم والطغيان، ما عرف مثلها تاريخ الإنسان.

إننا لا نعجب أن يكون الاستعمار في معناه ومرماه، عملا وحشيا تبرأ منه الإنسانية، بل نعجب كل العجب أن تمارس الدول الكبرى في هذا العصر، لا في العصور الوسطى، سياسة الإبادة والإفناء، في أرض شعب ينشد حريته، ويدافع عن حقوقه وبقائه، فأين هذه الدول الكبرى الغارقة في غرورها، الوالغة في دماء ضحاياها، من عصر النور والذرة والكهرباء، عصر المدنية والحرية وتقرير المصير، عصر الأمم المتحدة وميثاق الإنسان الجديد؟ أين هذه الدول الكبرى من مبادئها، وأين أعمالها من أقوالها، وأين بواطنها من ظواهرها؟ إنها في معركة الحرية سيف مسلط على الحرية، وفي معركة تقرير المصير ضد مبادى تقرير المصير؛ إنها في صراع الحق والباطل، عدوان على الحق مع كل باطل، وفي مجال حقوق الإنسان حرب على أكرم ما يتميز به الإنسان. فليمض المستعمرون في أهوائهم ما شاءت لهم الأهواء، فنحن الذين أناط الله بهم شرف الرسالة الحقة والمبادىء المثلى، وليس إلا بحريتنا تتحرر الإنسانية من شرور البغاة والطامعين.

أيها المواطنون! إن المستعمر الفرنسي الغاشم لا ينازع العرب الأحرار في الجزائر حقوقهم في بلادهم وحريتهم وسيادتهم فحسب، بل بلغ به الغرور حدا قصيا، حتى راح ينازعهم شرف الانتساب إلى وطنهم وعروبتهم، فزعم أن أرضهم جزء من أرضه، وسكانها رعايا في امبراطوريته، فحاربهم في دينهم وحاربهم في لغتهم وحاربهم في عروبتهم. وجاءت الثورة بعد نحو من قرن وربع القرن لتصفع العدو وتكذب مزاعمه، وتحبط خططه

<<  <  ج: ص:  >  >>