فلسنا نحن الآن أمام مناسبة نحتفل فيها بدخول عضو آخر إلى الأمم المتحدة، مع جلال هذه المناسبة وروعتها، إنها تتجاوز تكريس دولة جديدة تدخل الأسرة الدولية، إن الذي يوشك أن يدخل هذه المنظمة العالمية، ليس مجرد دولة فحسب، ذلك أن في ركاب هذه الدولة، تدخل طائفة من المبادىء الحية، ومجموعة من العقائد النيرة، وفيض من الذكريات الغالية، وكنز من التضحيات والفداء، بل سيرة مجيدة للكفاح الدامي الذي يخوض الإنسان في سبيل تحقيق ذاته وتقرير مصبره.
إن تمثال الحرية ينتصب عاليا على شواطىء القارة الأمريكية، وهكذا تنتصب الجزائر اليوم بيننا شامخة لتعبر عن أقدس المعاني الإنسانية. إن الجزائر بترابها الغالي وشعبها الباسل تقف بيننا لتكون مثلا للبطولة، وتجسدا للشجاعة، ورمزا للثبات والمدارة، وعنوانا رائعا لإرادة الإنسان وتصميمه على العيش بحرية في عالم تسوده الحرية، حرية حقيقية، تحرره من الظلم والاستعباد.
وفي هذه اللحظة التاريخية، فإنا لنذكر بعقولنا وقلوبنا الكفاح البطولي لشعب الجزائر. لقد خاض هذا الشعب العظيم معركة مريرة لا يتسع المقام لسرد سيرتها الآن، ولست أريد أن أذكر الألوف وألوف من زهرة الأجيال الجزائرية المتعاقبة الذين قضوا نحبهم في معارك التحرير عبر مائة واثنين وثلاثين عاما من الكفاح ... لا، ولا أريد أن أذكر الألوف من الضحايا الفرنسيين الذين سقطوا في الميدان، سقطوا أبرياء ولكن من أجل قضية باطلة، ولست أريد أن أذكر قصص العناء والشقاء التي تمرس بها شعب بكامله في نضاله من أجل الحرية، بل إنني لا أريد أن أذكر حملات التدمير والإجرام التي قامت بها الجماعات الفرنسية المتطرفة، لتكون الدليل القاطع أن