الشاملة التي أحاطت بالمسلمين الأندلسيين في جنوب شبه الجزيرة، وهي الهجمة التي دعمها البابا عندما فرض على المسيحيين ضريبة أطلق عليها اسم (ضريبة الصليبية). ولم تعد القضية هي قضية بطولة أو تضحية في مواجهة الهجوم الشامل، ولو أن هذه البطولة وتلك التضحية التي التحمت بعقيدة الإنسان المسلم لم تعدم وجودها في يوم من الأيام ونسجتها خلال تلك الحقبة نماذج غير محدودة، لعل من أشهرها قصة (موسى بن أبي الغسان) الذي وقف في أحلك أيام (غرناطة) وأكثرها قسوة، فجابه دعاة الاستسلام للصليبيين بمقولته الرائعة:(وأي باعث لنا على اليأس. إن دم الأبطال من عرب الأندلس فاتحي هذه الديار يجري في عروقنا. وعندنا قوة وافرة، وجيوش معودة مجربة في الوقائع، لا نرتاب في إقدامها. ولدينا عشرون ألف شاب يمكنهم أن يدفعوا عن دورهم وأسوارهم أعظم قوة وأكثف جيش).
وفي ذلك أيضا يقول مؤرخ إنكليزي: (إن هذه الحرب - حرب تحطيم مملكة غرناطة - هي حقبة عظيمة الشأن في تاريخ الدهر، بما تخللها من باهر الثبات والإصرار، فإن النكبات توالت فيها على المغاربة - أهل الأندلس - مدة عشر سنوات بلا انقطاع، فأخذت مدائنهم الواحدة بعد الأخرى وفنيت رجالاتهم قتلا وأسرا، وقاتلوا عن كل مدينة وبلدة وحصن وبرج، بل عن كل صخرة ٠ كأنما هم ينتظرون الفتح. ولم يجدوا مكانا تثبت فيه أقدامهم، ولا جدارا يمكنهم رمي السهام من ورائه إلا واعتصموا به ينازعون عنها كل معتد، غير طامعين في أدنى غوث، تنزل على أسوارها أمة بقضها وقضيضها، لم يزالوا يدافعون عنها، كأنما هم يترقبون معجزة يرسلها