والاحتقار. وهو الأمر الذي وصفه أحد المؤرخين بقوله:(دخلت الجيوش الإفرنسية مدينة الجزائر، فوجدتها صامتة يسودها سكون رهيب، وظهر لها إنها خالية من سكانها. وكانت ذهول الإفرنسيين لهذه المقابلة كبيرا ظهرت آثاره على وجوههم وتحركاتهم. ولم يحاول - الإفرنسيون - إخفاء دهشتهم لما تركته هذه المدينة الخرساء من انطباعات غريبة في نفوسهم، مع أن المدينة لم تكن خالية تماما، فهنا تشهد تاجرا يقع أمام دكانه المغلق، وهناك تلمح أشباح نساء فوق سطوح المنازل، وفي ملتقى الطرق، كانت جماعات قليلة من الجزائريين والأتراك تدخن في صمت ثقيل. ولئن كانت هذه المناظر كلها تمثل للفرنسيين مشاهد (للفرجة) فإن الجزائريين لم يعيروا الإفرنسيين أدنى اهتمام، وكأنهم لم ينتبهوا فعلا لوجودهم - وأن هذا الاحتقار الواضح، الذي قوبل به جنود الاحتلال الإفرنسي هو الذي جعل هؤلاء المنتصرين يستغربون من هذا الوضع ويتعجبون ...) (١).
هكذا استقبلت الجزائر المجاهدة قوات الغزو البربرية بمزيج من المقاومة السلبية والإيجابية، غير أن هذه المقاومة لم تكن إلا البدايات المبكرة، وكانت هذه البدايات المبكرة هي الأساس الثابت للتطورات المستمرة والمتعاظمة.
وفي الواقع، فقد يكون من الصعب فصل المقاومة السلبية عن المقاومة الإيجابية، فهما متداخلتان ومتشابكتان إلى حد كبير لأنهما تعبير عن (الرفض الكامل للإسعمار الإفرنسي) وإذا كان المجاهدون قد استطاعوا التعبير عن غضبهم ورفضهم بالرصاصة، فقد لجأ المجاهدون ممن لم يجدوا الرصاصة، أو لم يتمكنوا