(سيدي الشيخ)(١) فقد اعترفوا جميعا بسلطتي. حقا لقد منحتهم بعض الامتيازات، وسمحت لهم بدفع ضرائب منخفضة، ولكنهم كانوا قبيلة من المرابطين، ومن واجبي أن أعاملهم بدرجة خاصة من الإكرام. وأما أهل القصور - والذين يستوطنون مجموعة من القرى الصحراوية - فهم لا يدفعون إلا القليل، ولا يهمني أن أكون متصلبا معهم، وهم ينظرون إلى موقفي هذا منهم على أنه رفق بهم لفقرهم). ولقد فرض الأمير سيطرته على إقليمي وهران وتيطري بالقوة - على نحو ما سيأتي شرحه - غير أنه اتبع أساليب أخرى في فرض هذه السيطرة على القبائل الكبرى، المنتشرة في تلك القطعة الساحرة من جبال (جرجرة) والممتدة من مدينة الجزائر ثرقا حتى بجاية. وذلك نظرا لما تميزت به هذه القبائل من النزوع الشديد للاستغلال، والولع المتطرف بالحرية، مما مكنهم من الاستعصاء على كل المحاولات لإخضاعهم، وساعدهم على الاحتفاظ بشرائعهم وعاداتهم وتقاليدهم، وسط حكومات متقلبة قامت وسقطت من حولهم. وكان من الواضح أن هذا المربض للجنود سيعطي عبد القادر، إذا ما كسبه إلى جانبه، عنصر دعم ثابت لا يتراجع وسيكون له عونا للزحف على أعدائه إذا ما تطلب الأمر، ولهذا قرر عبد القادو، أن يحقق وحده باللين والإغراء ما عجز الآخرون عن تحقيقه بقوة السلاح، وهكذا ظهر فجأة في أيلول (سبتمبر) ١٨٣٩ في (برج حمزة) متبوعا بخمسين فارسا فقط، وكان إلى جانبه خليفته المخلص (ابن سالم). وقد سأله
(١) مجموعة من القبائل في الجنوب الغربي من الجزائر، وجزء من الجنوب الشرقي للمغرب، وقد قاموا بعدة ثورات ضد الإفرنسيين منها ثورة (١٨٦٤) وثورة (١٨٨١) بقيادة الشيخ (بو عمامة). وسيتم التعرض لهذه الثوارت في البحث المقبل من هذه المجموعة.