تقع على نجد في سفح جبال منحدرة عالية، وهي مشهورة بكثافة وقوة أسوارها التي طالما أعيت أعمال الحصار. وكانت قوة عبد القادر الرئيسية في هذه الفترة تتمثل في (بني عامر وبني هاشم). وبعد أن أخذ معه وحدات قوية من هذه القبائل اقترب من (تلمسان) وكان أهاليها منقسمين إلى حزبين: الأتراك والكراغلة. وكان الكراغلة يحتلون القلعة ويدافعون عنها، في حين كان العرب يعملون تحت قيادة (نونة) المتمرد والذي سبقت الإشارة إليه. وقد طلب عبد القادر من (نونة) الاستسلام، ولكنه رفضه. غير أن المقاومة التي حاولها سرعان ما انهارت، لأنه بينما كان عبد القادر يهاجه من جهة فتح عليه الكراغلة النار من القلعة. وبعد انتصاره في تلمسان عامل عبد القادر أهلها بكل احترام. لقد كان يأمل أن يعترف الكراغلة بسيادته. غير أنهم رفضوا كل العروض التي تقدم إليهم بها لأنهم شعروا بالأمان في تحصيناتهم، كما رفضوا البقاء معه على صلات طيبة. وما دام هو لا يملك المدفعية التي يخضعهم بها فقد قبل المساومة، وأقام أحد مساعديه حاكما على المدينة ثم عاد إلى (معسكر). وفي الطريق سمع بنعي أبيه. وقد شعر الابن الشجاع بفداحة الخطب الذي تركه فقدان الوالد الذي خلع عليه منذ طفولته كل حب وود، والذي كان يعامله دائما كصديق مقرب وزميل، والذي يدين له في الحقيقة بالمكانة التي وصل إليها. ولما كان لا يجد الوقت للدخول في عزلة مؤقتة يقتضيها المصاب الأليم، فإنه لم يستطع سوى أن يتبع جثمان والده إلى مثواه الأخير.
كان القائد الإفرنسي (دي ميشيل) قد استولى على (أرزيو ومستغانم) ولم يكن باستطاعة (عبد القادر) إضاعة لحظة واحدة - لقد كان واجبا عليه أن يبذل قصارى جهده لإيقاف هذا التوسع الإفرنسي