بالتراجع، ونجح بعضهم في تشكيل تربيعات مقاتلة بسرعة، غير أن ذلك جعل صفوفهم غير كاملة. أما الفرسان فقد أطلقوا العنان لخيولهم، ولم يبق غير المدافع التي قامت بدورها بصورة جيدة. وتخلى الجنود الإفرنسيون عن غنائمهم التي اكتسبوها بسهولة. وداهمتهم عضة الجوع والظمأ علاوة على لهيب الشمس الحارقة فوق رؤوسهم، وفي الحال، أحاط بهم العرب من كل جانب. وهنا صاح عبد القادر بقومه (احرقوا السهل) وسرعان ما ركض مئات الفرسان بعيدا، وأشعلوا النار في الأعشاب الجافة والأجمات الممتدة وراء خطوط الإفرنسيين. وقد كان على الجنود المنكوبين الذين تأخروا في تقدمهم بسبب الجرحى الذين أبى عليهم الشرف تركهم، أن يمشوا فوق الجمر، وأن يخوضوا معركة التقدم عبر أمواج اللهيب. غير أن هذه المقاومة لم تلبث أن انهارت عندما تجاوزت المصاعب قدرة احتمال الطاقة البشرية. فألقى كثيرون منهم بأسلحتهم، واختنق بعضهم بالدخان، وقذف آخرون بأنفسهم فوق الأرض وهم في حالة من اليأس. ومكثوا يتعجلون الموت المحيط بهم، وعلم (دي ميشيل) بالنكبة التي نزلت بالحملة - عن طريق بعض الجند الفارين - فأمر على الفور بتحرك كل القوى الإفرنسية في معسكر وهران لنجدة رفاقهم، غير أن هؤلاء وصلوا متأخرين ولم يتمكنوا من القيام بأي عمل بعد أن أبيدت قوات الحملة السابقة إبادة تامة.
لم يتوقف الأمير عبد القادر فوق ميدان المعركة، إلا بقدر ما تحتاجه عملية مطاردة القوات الإفرنسية وتدمير فلولها، ثم قاد قواته وراج إلى (مستغانم) لتشديد الحصار عليها وكان مشاته قد توغلوا في الضواحي، وأخذوا في مهاجمة إحدى القلاع القريبة من البحر. وعندما ظهرت سفينة شراعية فرنسية وأطلقت النار عليهم، خلع