وانطلق (عبد الله ميسون) لتنفيذ مهمته، واتبع كل أساليب الغدر والنفاق في محاولاته لاستثارة عواطف الجزائريين، فكان يجتمع بالمثقفين بالأندية، ويحاضرهم، ومن بين ما كان يردده على أسماعهم: أن الجزائر لا يمكن أن تستغني عن فرنسا. وأن الأمير بما عرف عنه من يقظة الضمير، والتعمق في الدين لا بد له وأن يتفق معها حتى يعيش الشعبان في رفاهية ورغد. وأن الأمير سيدرك أن الحضارة الإفرنسية قد أثرت الإنسانية وأغنتها. وكم كانت دهشة (عبد الله ميسون) عندما تصدى له أحد حضور ندواته من المواطنين، ليقول له:(لقد أعلن الإفرنسيون بألسنتهم وأقلامهم تحرير الإنسان، وإلغاء الرق، والمساواة أمام القانون، ثم راحوا يفرضون علينا رقا آخر، من نوع أقسى وأمر، رقا بغير قانون، وعبودية بقيود متطورة. إن ما تقوله الآن وتتشدق به هو ظلم وبهتان. وإن ما يريد الجيش الإفرنسي أن يفرضه من الرق اليوم على شعب الجزائر، إنما هو أسوأ مما حاول أن يفرضه الدخلاء الذين جاءوا إلى الجزائر بقصد التحكم في مصائرها. لئن سبق للدخلاء في الماضي السحيق استغلال حاجة الفقير إلى لقمة العيش، ويستغلوا ضعفه واضطراب الخائنين من بطش الطغيان وجبروت الحديد والنار، وقسوة الحكم الغاشم، واتخذوا الفقر والجهل والخوف مرافق استغلال في نفوس الضعفاء، فإن الوضع اليوم أصبح يختلف كل الاختلاف عما كانت عليه في الماضي. فبفضل سياسة (فرق تسد) التي جاء بها الدخيل، قد أصاب الشعب الجزائري عبء ثقيل من الرزايا أثر في بلده الأمين ووضع من قدره. ولكن لم يتمكن هؤلاء الأجانب من أن يقذفوا ببلائهم، ويرموا بسهامهم المسمومة، إلا بعد افتراقنا وتدابرنا أما الآن، فقد ظهر الحق من الباطل، ولا يأتي