القوات، وكانت صيحات البهجة وأصوات التهليل والتكبير تمزق سكون الليل في حين كانت المشاعل تضيء ظلمته. وكانت كومة رؤوس جنود الأعداء تتحول تدريجيا لتأخذ شكل تل كبير، أما المهندسون فكانوا يعملون على ضوء المشاعل لإصلاح الممرات والطرق. وتوجه الأمير مع منتصف الليل إلى المضيق، فصدمه مشهد (تل جاجم الجند الإفرنسيين) وصيحات جنوده وهم يرددون (مزيدا من الرؤوس) ووقف لحظة في صمته المهيب، لقد أرهقته متاعب الأيام الماضية، غير أن صوتا داخليا كان يحفزه للمزيد من العمل، فلوى رأس حصانه الأسود. ومضى في ظلمة الليل.
اهتزت فرنسا كلها عندما وصلتها أخبار (معركة المقطع). وارتفعت صيحات (التحقيق والعقوبة والانتقام) في جوقة واحده. وهكذا استدعي (ديرلون) وحل الجنرال (دارلانج) محل تريزيل. كما عين (كلوزول) من جديد ليفتح عهدا جديدا فيما كان يسمى عندئذ (المستعمرة الإفريقية لفرنسا). وفي جلسة من جلسات البرلمان الإفرنسي، في سنة ١٨٣٥، وقف النائب (تيير)(١) لينتقد بقوة النظام الإفرنسي الذي كان مطبقا في الجزائر، وليطالب بدعمه وتطويره حيث قال: (إنه ليس استعمارا، إنه ليس احتلالا على مدى واسع، وليس
(١) تير: (ADOLPHE THIERS) رجل دولة ومؤرخ فرنسي من مواليد مرسليا (١٧٩٧ - ١٨٧٧) بدأ حياته محاميا في إيكس (١٨١٩) ثم قدم إلى باريس ليعمل في الصحافة، وأسس جريدة (الاناسيونال) سنة ١٨٣٠، واشترك في إقامة ملكية تموز - يوليو - ١٨٣٠، وأصبح وزيرا سنة ١٨٣٢، ثم رئيسا للوزراء سنة ١٨٣٦ - ١٨٤٠، ورئيسا لحزب النظام في مجلس سنة ١٨٤٨، واعتقل سنة ١٨٥١، ثم أطلق سراحه سنة ١٨٥٢، وانتخب نائبا مرتين (١٨٦٣ و١٨٦٩) وأصبح رئيسا للجمهورية بعد سنة (١٨٧١) على أثر سقوط نابليون الثالث. واشتهر أنه ملكي محافط.