وشاع خارج المدينة، وذاع، أن يهوديا قد ترأس محكمة حاكمت (الكراغلة المسلمين) وعاقبتهم، فزادت نقمة العرب بذلك، أن هذا الانتهاك لحرمات المسلمين لم يسمع به أبدا من قبل. وكان من نتيجته أن عاد (الأنجاد) للاتصال بالأمير عبد القادر. كما أرسل إليه (الكراغلة) بصورة سرية من يعلمه بأنهم ينتظرون بفارغ الصبر رحيل الإفرنسيين لتسليمه القلعة. غير أن (كلوزول) لم يكن يرغب بالرحيل عن المدينة، وكان هدفه هو إقامة اتصال مباشر بين تلمسان، والساحل. وكان فم (تافنة) هو أقرب نقطة صالحة لهذا الغرض. غير أن المسافة الواقعة في الوسط هي منطقة جبلية. وقرر أن يحقق هدفه يوم ٢٣ كانون الثاني - يناير - فوجد نفسه وجها لوجه أمام عبد القادر الذي كان يقود جيشه. وبدأت على الفور المعركة التي استمرت عشرة أيام أظهر فيها العرب شوقهم للموت انتقاما لهزيمتهم السابقة، وقاتلوا بعناد وتصميم لا يمكن وصغهما. وكان الأمير عبد القادر طوال هذه الاشتباكات يتجنب الدخول في معركة تصادمية - جبهية - مع قوات الإفرنسيين، مكتفيا بالسيطرة على النقاط ذات الأهمية الاستراتيجية. فنشر قواته على الهضاب وفي الوهاد وعند الأنهار. واصطدمت القوات الإفرنسية بعقبتين: أولاهما عدم قدرتها على مجابهة هذا النوع من أساليب (الحروب الثوروية) وثانيتهما: عدم معرفتها للأرض على مسرح العمليات. ونتج عن ذلك أن انهزم كلوزول، وتقهقر إلى تلمسان، مخلفا وراءه خسائر فادحة. ثم لم يلبث أن ترك حامية في قلعة تلمسان بقيادة نائبه (كافينياك) ومضى في رحلة مثيرة في اتجاه (وهران) حيث كانت قوات الأمير عبد القادر تطارده حتى أبوابها، وقد وصفت المصادر الإفرنسية هذه الرحلة المثيرة بما يلي: (خرج الماريشال كلوزول بجنوده من تلمسان، راجعا إلى وهران،