المحدود تبعا لمعرفته لمن خضع كرها أو خيانة للإفرنسيين، فأمكن له بذلك استعادة السيطرة على الموقف. وهكذا استمر الصراع المرير على كافة الجبهات والذي أخذ شكل اشتباكات دموية عنيفة في بعض الأحيان. ونظرا لما كانت تتعرض له القبائل العربية - وخاصة النساء والأطفال - فقد اضطر الأمير لتطوير (الزمالة) حتى أصبحت عاصمة ضخمة متنقلة تتبع حركة الأمير في تقدمه وتراجعه. ولم تلبث هذه الزمالة أن تحولت لإداة فعالة في قبضة الأمير لمنع القبائل من التأرجح بين الخضوع للإفرنسيين، وبين الولاء للأمير. فعندما كان الإفرنسيون يقدمون الإغراءات لرجال القبائل بقولهم:(هلموا إلينا فإننا سنحميكم) كان هناك صوت خفي يهمس في آذانهم قائلا: (إن لدي نساءكم وأطفالكم وقطعانكم فاحذروا). وأصبحت (الزمالة) نتيجة ذلك هي الهدف الأول للإفرنسيين. حيث تركزت هجمات الربيع لسنة ١٨٤٣ من أجل مطاردة الزمالة. وقد استطاع الأمير إحباط هجومين قام بهما (لامورسيير) غير أن (دومال) نجح في الإغارة على (الزمالة) يوم ١٦ أيار - مايو - ١٨٤٣ بمساعدة خائن (هو عمر العيادي ابن فراح). وكانت غنائم الإفرنسيين كبيرة. بقدر ما كان وقع الكارثة مفزعا للعرب. وعندما بلغ الأمير الخبر (وهو في غابة سرسو) أظهر تجلده للنكبة، رغم أنه فقد فيها كل ثروته المالية ومجوهراته ومكتبته التي جهد في جمعها، فقال لأولئك الذين كانوا ينتظرون كلمته:(الحمد لله - إن كل تلك الأشياء التي كنت أقدرها حق قدرها والتي كانت عزيزة على قلبي، والتي شغلت عقلي كثيرا، لم تزد على أن أعاقت حركتي وحولتني عن الطريق الصحيح. أما في المستقبل، فسأكون حرا في محاربة الكفار) وكتب إلى خلفائه: (قام الإفرنسيون بالإغارة على الزمالة. ولكن علينا أن لا نفقد الشجاعة وسنكون منذ