للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاقل فضلا عن فاضل. ودولتكم تدعي أنها أول دولة في العالم تحب الإنصاف وتفضله وتحافظ على ميزان العدل وتحكم به، ففعلها هذا يكذب دعواها ويبطل ادعاءها. وأنتم ومعظم رجالها نراكم دائما تساعدونها على الاعتداء والاغتصاب، وتبذلون أنفسكم في ذلك ابتغاء مرضاتها، ولو كان عندكم أدنى نظر سديد، ما وافقتموها على موت جنودها في الحرب، ومواسم الأمراض المختلفة التي لا تبقي ولا تذر. فيا ترى بأي شيء تعوضون ما تخسره بلادكم من الرجال والأموال والكراع. فإن كان يرضيها منكم أن تحملوا لها ما تقدرون على حمله من حجارة مدينة معسكر، أو من تراب الأراضي التي اغتصبتموها فافعلوا. وإني أراك أيها الحاكم تبذل جهدك في تعطيل مواسمنا لتقل الحبوب عندنا، ظنا منكم أن ذلك أقوى سبب لخضوع أهل البلاد لكم، والحال أن هذا ليس بشيء عندهم، فإن هممهم ليست متعلقة بلذائذ الأطعمة والأشربة مثلكم، بل يكفيهم ما يمسكون به رمقهم ويقيم أودهم كيفما كان على أن عندهم من صنوف الحبوب المحفوظة في المطامير المعدة لها ما يكفيهم سبع سنين آتية وما تأخذونه

أنتم من ذلك فهو جزء من جملة الأجزاء، ولا أراكم في هذا الأمر إلا كمن ملأ قدمه من البحر معتقدا أنه ينقصه. وبالجملة، فنحن لا نترك قتالكم ما دمتم في طغيانكم تعمهون، وفي سبيل اعتدائكم تمشون، والحروب قد تربينا عليها وتغذينا بلبانها، فنحن أهلها من المهد إلى اللحد، وحروبنا كما علمتم لا نرجع فيها إلى قانون يحصرها. بل نحن فيها مخيرون مطلقون، نصرفها كيفما شئنا. وأما أنتم، فقد بذلتم أموالكم، وأفنيتم قوى شبابكم في تعلم طرقها، ولا أخالكم تجهلون أنه جاء في كتب التواريخ القديمة أن العرب يبتهجون في معامل القتال، فلا يخطر في بالكم أنهم يضجرون

<<  <  ج: ص:  >  >>