للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الموريسكيين) المنفيين إلى ميدانها، واتخاذها صورة الجهاد والانتقام القومي والديني لما نزل بالأمة الأندلسية الشهيدة من ضروب العسف والإرهاق.

وبدأت هذه الغارات البحرية على الشواطىء الإسبانية منذ أوائل القرن السادس عشر - عقب استيلاء الإسبان على غرناطة، وإكراههم المسلمين على التنصر؛ ففي ذلك الحين غادر الأندلس آلاف من المسلمين المجاهدين الذين آنفوا الذلة والاضطهاد. وعبروا البحر إلى عدوة المغرب، واستقروا في بعض القواعد الساحلية، مثل (وهران والجزائر وبجاية) ووهب الكثيرون منهم حياتهم للجهاد في سبيل الله والانتقام من أولئك الذين قضوا على وطنهم وظلموا أمتهم. وكان البحر يهييء لهم هذه القرصنة التي لم تهيئها الحرب البرية.

وكانت شواطىء المغرب بطبيعتها الوعرة، وثغورها ومراسيها، وخلجانها الكثيرة التي تحميها الصخور العالية أصلح ملاذ لمشاريع أولئك البحارة المجاهدين والقراصنة المغيرين، وكانت مياه الجزائر وبجاية وتونس أفضل قواعدهم للرسو والإقلاع. وكانت غاراتهم على الشواطىء الإسبانية ولا سيما في المياه الجنوبية تتجدد بلا انقطاع، وتنجح في معظم الأحيان في تحقيق غاياتها، وكان حكام الثغور الغربية من تونس إلى وهران يشجعون هذه الإغارات، ويسمحون للمجاهدين بالرسو والتموين في ثغورهم. ولقد ظهر في هذا الوقت بالذات عنصر جديد أذكى موجة الغارات البحرية في هذه المياه: ذلك أن البحارة الأتراك أخذوا يندفعون نحو غرب البحر الأبيض المتوسط، وبرز منهم على الأخص الأخوان الشهيدان (عروج وخير الدين) المعروفان في الرواية الأوروبية (بارباروسا - أصحاب اللحى الشقراء).

<<  <  ج: ص:  >  >>